المسيحيين من أخذوا يألفون العزلة لأول ظهورهم في صعيد مصر وجبال أنطاكية ينقطعون للنسك. ولما زاد عدد هؤلاء الناسكين دعت الضرورة إلى إنشاء أكواخ منفردة أشبه بعمرات جعلت برئاسة رئيس. وأنشئت دور عظيمة يعيش فيها أولئك الزهاد عيشة مشتركة يجمعهم سقف واحد وتسيّرهم إدارة رئيس واحد. ثم اتحدت تلك الأكواخ والبيوت. وأنشئت أديار في المدن تولاها الأساقفة وانتقل ذلك إلى الغرب. وكما كانت الشام منشأ الأديار كذلك كانت أول من وضع هندسة الكنائس ذات القباب ، فقد جرت في هندستها لأول مرة على مثال المعابد القديمة ، فالشام إذا أول من أنشأ الأديار والكنائس كما قامت فيها النصرانية واليهودية.
قلنا : إنه يردّ إنشاء الكنائس إلى عهد قسطنطين وقد بدأت البيع بالتكاثر في سنة (٣٣٠) للميلاد وذكر بعض المؤرخين أن ثيودوسيوس الكبير حول بعض هياكل الوثنيين في بعلبك الى كنائس فبنى كنيستين في القلعة إحداهما في وسط البهو الكبير القائم أمام هيكل الشمس. وقال المسعودي : إن هيلاني بنت بإيليا الكنيسة المعروفة بالقيامة في هذا الوقت الذي يظهر منها النار في يوم السبت الكبير الذي صبحه الفصح وكنيسة قسطنطين وديارات كثيرة للنساء والرجال على الجبل المطل على مدينة بيت المقدس المعروف بالطور وهو بإزاء قبة اليهود وعمرت مدينة إيليا عمارة لم يكن قبلها مثلها ولم يزل ذلك عامرا إلى أن أخربته الفرس حين غلبت على مصر والشام.
تكاثرت الكنائس والأديار في الشام فلم يمض على انتشار النصرانية قرنان حتى زاد عدد الأديار والبيع على صورة مستغربة حتى إن الغسانيين ولعوا أيضا بعمارة الأديار في الجزء الذي ارتفع سلطانهم عليه في الجنوب على عهد ملوك الروم فشادوا دير حالي ودير أيوب ودير الدهناء ودير ضخم ودير النبوة. واشتهر الغساسنة بإقامة الديرة والبيع وكانوا كما قيل يعتمدون ببنائهم المواضع الكثيرة الشجر والرياض والمياه ويجعلون في حيطانها وسقوفها الفسافس والذهب ومثلهم كان شأن آل المنذر بالحيرة وبني الحارث بن كعب بنجران من بيوتات العرب.