وكان يحمل الجراب ليلاً على ظهره فيتصدق ويقول : إن صدقة السر تطفىء غضب الرب . وعن ابي جعفر الباقر أيضاً قال : إنه يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب على ظهره فيأتي باباً باباً فيقرعه ثم يناول من يخرج اليه ويغطي وجهه إذا ناول فقيراً لئلا يعرفه ، فلما مات وجدوه يعول بمائة بيت من أهل المدينة ، وكثيراً ما كانوا قياماً على أبوابهم ينتظرونه فاذا رأوه تباشروا به وقالوا : جاء صاحب الجراب .
وكانت له جارية تصب الماء على يده فوقع الإبريق عليه فشجّه ، فرفع اليها رأسه فقالت : والكاظمين الغيظ . قال : كظمت غيظي . قالت : والعافين عن الناس . قال : عفوت عنك . قالت : والله يحب المحسنين . قال لها : اذهبي فأنت حرة لوجه الله تعالى ، وأمر لها بمال تستعين به على حياة الحرية . روى ذلك علي بن عيسى الاربلي في كشف الغمة .
وان رجلاً من أهل المدينة وقف عليه وشتمه ، فأراد الوقيعة به غلمانه ، قال لهم دعوه ثم دفع له ثوبه وفيه الف درهم ، فصاح الرجل : أنت ابن رسول الله حقاً (١) .
ولقيه رجل فسبّه فقال : يا هذا بيني وبين جهنم عقبة ، إن أنا جزتها فما أُبالي بما قلت ، وإن لم أجزها فأنا أكثر مما تقول ، وألقى إليه أموالاً فانصرف خجلاً (٢) .
قال ابن حجر في الصواعق : زين العابدين علي بن الحسين هو الذي خلف أباه علماً وزهداً وعبادة ، وكان إذا توضأ للصلاة اصفر لونه ، وقيل له في ذلك قال : ألا تدرون بين يدي مَن أقف .
__________
(١) روى ذلك الامام الغزالي في كتابه ( التبر المسبوك )