وجودهم وأن يتناولوا الأمة من ناحية قلوبها وأرواحها ، وأن يعدوا تلاميذهم في الأزهر كما يعدون القوانين الدقيقة لا طلابا يرتزقون بالعلم. أين صوت الأزهر وعمله في هذه الحياة المائجة بما في السطح وما في القاع ... وأين وحي هذه القوة التي ميثاقها أن تجعل النبوة كأنها شيء واقع في الحياة العصرية لا خبر تاريخي فيها.؟ لقد أصبح إيمان المسلمين كأنه عادة الإيمان لا الإيمان نفسه ، ورجع الإسلام في كتبه الفقهية وكأنه أديان مختلفة متناقضة لا دين واحد. فرسالة الأزهر أن يجدد عمل النبوة في الشعب ، وان ينقى عمل التاريخ في الكتب ، وأن يبطل عمل الوثنية في العادات ، وأن يعطي الأمة دينها الواضح السمح الميسر وقانونها العملي الذي فيه سعادتها وقوتها ، ولا وسيلة إلى ذلك إلا أن يكون الأزهر جريئا في قيادة الحركة الروحية الإسلامية ، جريئا في عمله لهذه القيادة ، آخذا بأسباب هذا العمل ، ملحا في طلب هذه الأسباب. مصرا على هذا الطلب. وكل هذا يكون عبثا إن لم يكن رجال الأزهر وطلبته أمثلة من الأمثلة القوية في الدين والخلق والصلابة لتبدأ الحالة النفسية فيهم ، فإنها إن بدأت لا تقف ، والمثل الأعلى حاكم بطبيعته على الإنسانية مطاع بحكمه فيها. محبوب بطاعتها له. والمادة المطهرة للدين والأخلاق لا تجدها الأمة إلا في الأزهر ، فعلى الأزهر أن يثبت أن فيه تلك المادة بإظهار عملها لا بإلصاق الورقة المكتوب فيها الاسم على الزجاجة .. ومن ثم يكون واجب الأزهر أن يطلب الإشراف على التعليم الإسلامي في المدارس وأن يدفع الحركة الدينية دفعا بوسائل مختلفة : أولها أن يحمل وزارة المعارف على إقامة فرض الصلاة في جميع مدارسها ، وأن يقود مدرسة حرية الفكر .. والأمة الإسلامية كلها تشد رأي الأزهر في هذا. وإذا نحن استخرجنا التفسير العملي لهذه الآية الكريمة : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) دلتنا الآية بنفسها على كل تلك الوسائل ، فما الحكمة هنا إلا السياسة الاجتماعية في العمل. وليست الموعظة الحسنة إلا الطريقة النفسية