ببعض ما يجول في نفوس بعض العلماء من مخاوف بشأن اضمحلال هذه الروح بسبب تلك النظم الحديثة التي أدخلت في الأزهر مثل نظام الامتحانات وتحديد المقررات وكثرة المواد الدراسية التي لا تتصل بالدراسات الإسلامية ـ حتى أن البعض يعتقد أن مستوى التحصيل في الأزهر قد اخفض انخفاضا ملموسا بسبب انصراف الطلبة إلى إحراز الإجازات التي تعتبر سلاحا للتوظف دون الرغبة في التزود بالعلم لذاته والتعمق في المعرفة. وقد كان النظام الذي سلكه الأزهر خلال القرون الماضية نظاما جامعيا بحتا وكانت الروح العلمية تسيطر على جوه ، فكانت صلة الطالب بمدرسته صلة وثيقة دعامتها العلم والرغبة في اعتراف مناهله ... وحسبك أن تعلم أن الجامعات الغربية تتهيأ الآن هذا التهيؤ لتأدية رسالتها.
ولكن ما لبث النظام «المدرسي» الجديد الذي أدخل على الأزهر أن أضعف من هذه الرابطة العلمية بين الطالب وأستاذه. ثم إن النظام يعمل على شحن ذهن الطالب بعلوم لا طائل تحتها ولا يدع له وقتا ولا ميلا للتعمق في نوع عين من المعرفة الإسلامية تعمق من شأنه أن يخلق لنا علماء من طراز الشيخ محمد عبده والشيخ مصطفى عبد الرزاق والشيخ المراغي وإضرابهم من جهابذة العلماء الذين يفخر العالم الإسلامي بهم. والحق أن النواة لأمثال هؤلاء العلماء موجودة فإن الطلبة الأزهريين ما زالوا يتسمون بالروح العلمية ، وقد علمت من أحد القائمين على إدارة المعهد البريطاني في القاهرة أنه وجد في الطلبة الأزهريين الذين يتلقون اللغة الانجليزية في المعهد المذكور استعدادا وإدراكا وتعمقا وغيرة وإقبالا على العلم بما هو جدير بطلبة هذه الجامعة العريقة ، ونعتقد أن خير ما يمكن أن يفعله الأزهر هو أن يعمل جاهدا للعودة لذلك الجو العلمي البحث الذي عرف به وأن يقضي على نظام الامتحانات أو يعد له ، بحيث ينصرف الطلاب للعلم وحده دون النظر للإجازات العلمية كهدف يتعين عليهم تحقيقه للحصول على الوظائف.