ثم إنها اتّهمت بعبد لها من الحبشة (١٥) ، فاتفق الناس على خلعها وتزويجها ، فخلعت وزوجت من بعض أقاربها وولى الملك أخوها ناصر الدين (١٦).
ذكر السلطان ناصر الدين بن السلطان شمس الدّين.
ولما خلعت رضية ولّي ناصر الدين أخوها الأصغر ، واستقلّ بالملك مدة ، ثم إن رضية وزوجها خالفا عليه (١٧) ، وركبا في مماليكهما ومن تبعهما من أهل الفساد وتهيأ لقتاله ، وخرج ناصر الدين ومعه مملوكه النائب عنه غياث الدين بلبن متولّى الملك بعده فوقع اللقاء وانهزم عسكر رضية وفرت بنفسها فأدركها الجوع وأجهدها الإعياء ، فقصدت حرّاثا رأته يحرث الأرض، فطلبت منه ما تأكله فأعطاها كسرة خبز فأكلتها وغلب عليها النوم ، وكانت في زي الرّجال ، فلما نامت نظر إليها الحراث وهي نائمة فرأى تحت ثيابها قباء مرصّعا ، فعلم أنها امرأة فقتلها ، وسلبها وطرد فرسها ودفنها في فدّانه ، وأخذ بعض ثيابها فذهب إلى السوق يبيعها ، فأنكر أهل السوق شأنه وأتوا به الشّحنة (١٨) ، وهو الحاكم ، فضربه ، فأقرّ بقتلها ، ودلّهم على مدفنها فاستخرجوها وغسلوها وكفّنوها ، ودفنت هنالك ، وبنيّ عليها قبّة ، وقبرها الآن يزار ويتبرك به وهو على شاطئ النهر الكبير المعروف بنهر الجون (١٩) على مسافة فرسخ واحد من المدينة.
واستقل ناصر الدّين بالملك بعدها واستقام له الأمر عشرين سنة وكان ملكا صالحا ،
__________________
(١٥) الوضع السياسي في دهلي تحكّم فيه ، عند تلك الفترة ، مجلس «الأربعين» عائلة التي تنتمي للأمراء الأتراك الذين كانوا يعارضون منذ البداية إمارة رضية ، فلأجل أن تحتفظ رضية بالتوازن الذي يضمن لها البقاء شجعت دخول مقدم الاصطبلات الافريقي الحبشي جلال الدين ياقوت للميدان السياسي ، الأمر الذي احدث هو الآخر شرخا جديدا أدى إلى خلع الامبراطورة رضية.
(١٦) ينبغي أن نقرأ عوض ناصر الدين معزّ الدين بهرام (٦٣٧ ـ ٦٤٠ ـ ١٢٤٠ ـ ١٢٤٢). سيخلف أحد أبناء ركن الدين ، علاء الدين مسعود (٦٤٠ ـ ٦٦٤ ـ ١٢٤٢ ـ ١٢٦٦) أما ناصر الدين محمود فإنه سوف لا يأتي إلا بعد تاريخ ٦٤٤ ـ ٦٦٤ ـ ١٢٤٦ ـ ١٢٦٦.
(١٧) الثورة ضد رضية أشعلت من طرف حاكم يسمى اختيار الدين التّونيا الذي أصبح فيما بعد المكلف بحراسة السلطانة السابقة بسجنها ، وبعد ذلك وجدنا ان اختيار الدين ـ وقد وجد نفسه مبعدا عن السلطة الجديدة التي قامت في دهلي ـ يقدم على تحرير الملكة من السجن ، ويتزوجها ليحصل على الشرعية وهكذا أخذ طريقه نحو دهلي. لكن جيشه انهزم يوم ٢٣ ربيع الأول ٦٣٨ ـ ١٣ أكتوبر ١٢٤٠ وقد اغتيلت رضية في اليوم الموالي ...
(١٨) الشّحنة تعني على العموم الحاكم العسكري للمدينة ، حيث يكون هو أيضا على رأس الشرطة.
(١٩) نهر الجون هو (la yamouna) وقد وصف هذا القبر وموقعه كذلك من مهدي حسين في كتابه عن محمد بن تغلق ـ لندن ١٩٣٨ ص ٣٥ ت تعليق ٤.