الله المعروف بشونويس ، بشين معجم مفتوح وواوين أولهما مسكن والآخر مسكور بينهما نون وآخره سين مهمل ، وعيّنني لملازمة الأمير غذا والكون معه في تلك الأيام ، فأتى الملك فتح الله بالصّيوانات فظلل بها المشورين بالقصر الأحمر المذكور ، وضرب في كل واحد منهما قبة ضخمة جدا وفرش ذلك بالفرش الحسان ، وأتى شمس الدين التبريزي أمير المطربين ومعه الرجال المغنون والنساء المغنيات والرواقص وكلهن مماليك السلطان ، وأحضر الطباخين والخبازين والشوائين والحلوانّيين والشّربدارية والتنبول داران ، وذبحت الأنعام والطيور ، وأقاموا يطعمون الناس خمسة عشر يوما ويحضر الأمراء الكبار والأعزة ليلا ونهارا.
فلما كان قبل ليلة الزفاف بليلتين جاء الخواتين من دار السلطان ليلا إلى هذا القصر فزينه وفرّشنه بأحسن الفرش واستحضرن الأمير سيف الدين وكان عربيا غريبا لا قرابة له فحففن به ، وأجلسنه على مرتبة معينة له ، وكان السلطان قد أمر أن تكون ربيبته أم أخيه مبارك خان مقام أم الأمير غدا ، وأن تكون امرأة أخرى من الخواتين مقام أخته وأخرى مقام عمته وأخرى مقام خالته حتى يكون كأنه بين أهله (٦٣)!!
ولما أجلسنه على المرتبة جعلن له الحناء في يديه ورجليه (٦٤) ، وقام باقيهن على رأسه يغنّين ويرقصن ، وانصرفن إلى قصر الزفاف وأقام هو مع خواص أصحابه ، وعين السلطان جماعة من الأمراء يكونون من جهته وجماعة يكونون من جهة الزوجة ، وعادتهم أن تقف الجماعة التي من جهة الزوجة على باب الموضع الذي تكون به جلوتها على زوجها ، وياتي الزوج بجماعته فلا يدخلون إلا إن غلبوا أصحاب الزوجة أو يعطونهم الآلاف من الدنانير إن لم يقدروا عليهم!!
ولما كان بعد المغرب أتي إليه بخلعة حرير زرقاء مزركشة مرصعة قد غلبت الجواهر عليها فلا يظهر لونها مما عليها من الجوهر ، وبشاشية مثل ذلك ، ولم أر قط مثل ذلك ، ولم
__________________
(٦٣) شونويس :(shaw ـ nawvis) بالفارسية تعني كاتب عقد الزواج ، العدل أو المأذون ، هذا ونرى أنّ من أطرف التقاليد التي عرفتها المنطقة على ذلك العهد فيما يتصل بمجاملة (الغريب) ، ما نراه هنا نموذجا لتطبيق الفكرة حيث «يخلق» للأعزة أهل له حتى لا يشعر بالغربة. وقد عشت أثناء ممارستي للعمل الدبلوماسي مع حالات ذكرتني بهذه العادات عندما يطرأ سفير غريب على البلاد المعتمد فيها فنجد نوعا من هذا «التئاخي» للأقارب والأحباب.
(٦٤) ممارسة الحناء معروفة على العموم للنساء أكثر مما هي معروفة عند الرجال ومن المهم أن نلاحظ انتشار هذه العادة في العالم الإسلامي كله حتّى لاعتبرت الحنا ، الركيزة الأساس في تقاليد الأعراس ، وللمغاربة تاريخ طويل مع هذا النّبات ، فهم يغرسونه في الأقاليم الجنوبية ، ولهم في كل مدينة سوق خاص بها ... وهناك مهنة «الحنّايات» اللاتي ينقشن الحناء على أطراف المحتفى بها ... د. التّازي : أعراس فاس ، مطبعة فضالة ١٩٦١ ص ٧ ـ ١٣ ـ جريدة الشرق الأوسط عدد ٨ ـ ٩ ـ ١١ شتنبر ١٩٩٤.