... ذكر السلطان أبي المجاهد محمد شاه بن السلطان غياث
الدين تغلق شاه ملك الهند والسند الذي قدمنا عليه
ولما مات السلطان تغلق استولى ابنه محمد على الملك من غير منازع له ولا مخالف عليه، وقد قدمنا أنه كان اسمه جونة ، فلما ملك تسمى بمحمد ، واكتنى بأبي المجاهد (١) ، وكل ما ذكرت من شأن سلاطين الهند فهو مما أخبرت به وتلقيته أو معظمه من الشيخ كمال الدين بن البرهان الغزنوي قاضي القضاة (٢) وأما أخبار هذا الملك فمعظمها مما شاهدته أيام كوني ببلاده.
ذكر وصفه
وهذا الملك أحبّ الناس في إسداء العطايا وإراقة الدماء ، فلا يخلو بابه عن فقير يغنى أو حي يقتل! وقد شهرت في الناس حكاياته في الكرم والشجاعة ، وحكاياته في الفتك والبطش بذوي الجنايات ، وهو أشد الناس مع ذلك تواضعا وأكثرهم إظهارا للعدل والحق ، وشعائر الدين عنده محفوظة ، وله اشتداد «في أمر الصلاة والعقوبة على تركها ، وهو من الملوك الذين اطّردت سعادتهم وخرق المعتاد يمن نقيبتهم ، ولكن الأغلب عليه الكرم ، وسنذكر من أخباره فيه عجائب لم يسمع بمثلها عمّن تقدمه ، وأنا أشهد بالله وملائكته ورسله أن جميع ما أنقله عنه من الكرم الخارق للعادة حقّ يقين وكفى بالله شهيدا.
وأعلم أن بعض مآثره من ذلك لا يسع في عقل كثير من الناس ويعدّونه من قبيل المستحيل عادة ولاكّن شيئا عاينته وعرفته صحته وأخذت بحظ وافر منه لا يسعني الا قول الحق فيه ، وأكثر ذلك ثابت بالتواتر (٢) في بلاد المشرق.
__________________
(١) اقتفى سلاطين دهلي طريقة الألقاب الملكية للغزنويين والغوريين ، إيلتتميش ، بلبن ، تغلق ... كانت كنتيهم أبا المظفر ـ النقش الذي نجده على السكة والعملة التي صدرت أيام محمد ، هو هذه العبارة «المجاهد في سبيل الله» وليس أبا المجاهد ...
(٢) يراجع الحديث عن الشيخ كمال الدّين ج iii ص ١٤٣ وص ١٦١ ـ تاكيد ابن بطوطة على أنه لم يقل إلا الحق. وأنه اعتمد على الخبر المتواتر كأن فيه ردّا على من لم يقتنعوا بمروياته وقد سبق ٣١ ,iii حديثه عن عدد الخيل التي أصبحت في ملكه ، والتي لم يذكرها خيفة مكذب يكذبها!!