ذكر أبوابه ومشوره وترتيب ذلك :
ودار السلطان بدهلي تسمى دار سرا ، بفتح السين المهمل والراء ، ولها أبواب كثيرة (٣)، فأما الباب الأول فعليه جملة من الرجال موكلون به ويقعد به أهل الأنفار والأبواق والصّرنايات ، فإذا جاء أمير كبير ضربوها ويقولون في ضربهم : جاء فلان! جاء فلان! وكذلك أيضا في البابين : الثاني والثالث ، وبخارج الباب الأول دكاكين يقعد عليها الجلادون وهم الذين يقتلون الناس ، فإن العادة عندهم أنه متى أمر السلطان بقتل أحد قتل على باب المشور ، ويبقى هنالك ثلاثا ، وبين البابين الأول والثاني دهليز كبير فيه دكاكين مبنية من جهتيه يقعد عليها أهل النوبة من حفاظ الأبواب.
وأما الباب الثاني فيقعد عليه البوابون الموكلون به ، وبينه وبين الباب الثالث دكانة كبيرة يقعد عليها نقيب النقباء (٤) ، وبين يديه عمود ذهب يمسكه بيده على رأسه كلاه من الذهب مجوهرة في أعلاها ريش الطواويس (٥) والنقباء بين يديه ، وعلى راس كل واحد منهم شاشية مذهبة ، وفي وسطه منطقة وبيده سوط نصابه من ذهب أو فضة ، ويفضي هذا الباب الثاني إلى مشور كبير متسع يقعد به الناس.
وأما الباب الثالث فعليه دكاكين يقعد فيها كتاب الباب ، ومن عوائدهم أن لا يدخل على هذا الباب أحد إلا من عينه السلطان لذلك ، ويعين لكل إنسان عددا من أصحابه وناسه يدخلون معه ، وكل من ياتي إلى هذا الباب يكتب الكتاب أن فلانا جاء في الساعة الأولى أو الثانية أو ما بعدهما من الساعات إلى آخر النهار ، ويطالع السلطان بذلك بعد العشاء الآخرة ويكتبون أيضا بكل ما يحدث بالباب من الأمور ، وقد عين من أبناء الملوك (٦) من يوصل كل ما يكتبونه إلى السلطان.
__________________
(٣) هذا القصر أحد المعالم التاريخية النادرة في عهد السلطان محمد ، وما تزال آثاره صامدة إلى الآن في مكان المدينة الرابعة لدهلي ويسمى المكان جهان بّناه (djahanpanah) قريبا من القرية الحالية : بيكام بّور (begampur) بين دهلى القديمة وسيري. ويتفق مع بقايا قصر هزار سيتون (ksari hazar si ـ tun) (قصر الألف سارية) الذي كانت تتم فيه ـ على ما يبدو ـ الاستقبالات الملكية ، وهو المذكور من قبل ابن بطوطة. أقول : مثل هذه الحقائق وهذه التفصيلات هي التي لم يهضمها بعض الناس فراحوا «يتناجون» بكذب ابن بطوطة على ما عرفنا من ابن خلدون في المقدمة ، وما قرأناه عند الزّياني في (الترجمانة الكبرى) ...
(٤) القصد إلى شخصية تتصدّر النقباء لكل طبقات الأشراف ...
(٥) هذه تقاليد مقتبسة من الهندوس ، على نحو ما نراه اليوم هناك عند أبواب الفنادق والمؤسسات الكبرى من الهند وما جاور ...
(٦) القصد إلى أعضاء الأسرة المالكة علاوة على الشخص المعيّن للقيام بذلك.