ثم إن الترك أرادوا الفتنة وسعوا إلى خليل بوزيره المذكور وزعموا أنه يريد الثورة ، ويقول : إنه أحق بالملك لقرابته من النبي صلىاللهعليهوسلم وكرمه وشجاعته! فبعث واليا إلى المالق عوضا عنه وأمره أن يقدم عليه في نفر يسير من أصحابه ، فلما قدم عليه قتله عند وصوله من غير تتبث ، فكان ذلك سبب خراب ملكه!
وكان خليل لما عظم أمره بغى على صاحب هراة الذي أورثه الملك وجهّزه بالعساكر والمال فكتب إليه أن يخطب في بلاده باسمه ، ويضرب الدنانير والدراهم على سكته فغاظ ذلك الملك حسينا وأنف منه ، وأجابه بأقبح جواب فتجهز خليل لقتاله فلم توافقه عساكر الإسلام ، ورأوه باغيا عليه وبلغ خبره إلى الملك حسين فجهز العساكر مع ابن عمه ملك ورنا والتقى الجمعان ، فانهزم خليل وأوتي به إلى الملك حسين أسيرا فمنّ عليه بالبقاء وجعله في دار ، وأعطاه جارية وأجرى عليه النفقة ، وعلى هذه الحال تركته عنده في أواخر سنة سبع وأربعين عند خروجي من الهند (٧٢).
ولنعد إلى ما كنا بسبيله : ولما ودّعت السلطان طرمشيرين سافرت إلى مدينة سمرقند(٧٣) ، وهي من أكبر المدن وأحسنها وأتمها جمالا. مبنية على شاطئ واد يعرف بوادي القصّارين عليه النواعير تسقي البساتين ، وعنده يجتمع أهل البلد بعد صلاة العصر للنزهة والتفرج ، ولهم عليه مساطب ومجالس يقعدون عليها ودكاكين تباع بها الفاكهة وسائر المأكولات.
وكانت على شاطئه قصور عظيمة وعمارة تنبيء عن علوّ همم أهلها ، فدثر أكثر ذلك ، وكذلك المدينة خرب كثير منها ولا سور لها ولا أبواب عليها ، وفي داخلها البساتين.
__________________
(٧٢) عوض (تركته عنده) ينبغي أن نقرأ (بقي عنده) لأنّ ابن بطوطة لم يمرّ على هرات عند عودته عام ٧٤٧ ـ ١٣٤٧
(٧٣) تقع سمرقند على الشاطئ الغربي لنهر زرفشان في أزبيكستان الحالية ـ ابن بطوطة التبس عليه هذا النهر بنهر فولون الذي يجري في نخشب. هدمت المدينة من طرف المغول عام ٦١٦ ـ ١٢١٩ ولم تستعد مكانتها الا في القرن الثامن الهجري ـ أواخر القرن الرابع عشر الميلادي عندما اتخذ منها تيمور عاصمة له وجاء اليها بالعمال والفنانين والعلماء ... وقد استمتعنا بزيارتها بمناسبة الاحتفالات المقامة على شرف الامام البخاري في غشت ١٩٧٤.