ثم لما سلكنا هذه البرية وقطعناها ، كما ذكرناها ، وصلنا إلى خوارزم (٣) ، وهي أكبر مدن الأتراك وأعظمها وأجملها وأضخمها لها الأسواق المليحة ، والشوارع الفسيحة ، والعمارة الكثيرة ، والمحاسن الأثيرة ، وهي ترتج بسكانها لكثرتهم ، وتموج بهم موج البحر ، ولقد ركبت بها يوما ودخلت السوق فلمّا توسطته ، وبلغت منتهى الزحام في موضع يقال له الشّور (٤) ، بفتح الشين المعجم واسكان الواو ، لم أستطع أن أجوز ذلك الموضع لكثرة الازدحام ، وأردت الرجوع فما أمكنني لكثرة الناس ، فبقيت متحيّرا وبعد جهد شديد رجعت.
وذكر لي بعض الناس أن تلك السوق يخفّ زحامها يوم الجمعة لأنهم يسدّون سوق القيسارية وغيرها من الأسواق ، فركبت يوم الجمعة وتوجهت إلى المسجد الجامع والمدرسة ، وهذه المدينة تحت إمرة السلطان أوزبك ، وله فيه أمير كبير يسمى قطلودمور (٥) ، وهو الذي عمّر هذه المدرسة وما معها من المواضع المضافة ، وأما المسجد فعمرته زوجته الخاتون الصالحة ترابك (٦). بضم التاء المعلوة وفتح الراء وألف وبك بفتح الموحدة والكاف.
وبخوارزم مارستان له طبيب شامي يعرف بالصهيوني نسبة إلى صهيون من بلاد
__________________
(٣) يلاحظ أن ابن بطوطة سكت هنا عن شكل الكلمة على خلاف عادته ، ويقول ياقوت أن الخاء بين الضمة والفتحة والألف مسترقة مختلسة ليست بألف صحيحة ، هكذا يتلفظون به ، وخوارزم ليس اسما للمدينة ، إنما هو اسم للإقليم بجملته ، يقول ياقوت فأما القصبة العظمى فقد يقال لها اليوم الجرجانية ، وأهلها يسمونها (كركانج) ويقول عن الجرجانية ، إنها مدينة عظيمة على دلتا نهر جيحون (amudarya) وهي بالذات (urgentch) فعربت إلى الجرجانية. وقد جاءها ياقوت سنة ٦١٦ ـ (١٢١٩) فوصف بردها الشديد ، ونقل عن البشّاري المقدسي أنها أي خوارزم في الشرق كسجلماسة في الغرب وطباع أهلها مثل طبع البربر ... وقال : وكانت قصبتها قديما تسمى المنصورة ... ثم انتقل أهلها إلى الجرجانية ، والجدير بالذكر أن ننبه إلى أن ياقوت نقل عن رحلة السفير ابن فضلان حول خوارزم ... ويلاحظ العمري أن الأثمان كانت متشابهة تقريبا مع سراي وأن المركزين معا كانا يستعملان نفس المقاييس والمكاييل ...
(٤) الشّور : اسم خوارزمي ويعني بالفارسية الحركة والهيجان ... ـ حول القيسارية انظر ج i ، ١٥١ تعليق ٩٤
(٥) قطلودومور (qutlugh ـ tomur) كان في صدر الذين أعانوا أوزبك خان على الاستيلاء على الحكم عام ٧١٣ ـ ١٣١٣ وكان مكلفا بإدارة المملكة ولم يلبث أن سمي حاكما على خوارزم ...
(٦) يوجد ضريح ترابك الخاتون دائما في مقبرة في الجرجانية ، أنظر آثار الإسلام التاريخية فيما كان يعرف بالاتحاد السوفييتي ـ حول صهيون من بلاد الشام ج i ، ١٦٦ تعليق ١٢٥.