أدخل إلى السلطان فيكسوه كسوة حسنة ويعطيه قلادة وأساور من ذهب على قدره ، فقال له السلطان : ائتني بهم! فقال : إنهم يستحيون أن يدخلوا إليك نهارا لأجل أقربائهم وأهل ملّتهم، فقال له : ائتني بهم ليلا! فجمع خسرو خان جماعة من شجعان الهنود وكبرائهم فيهم أخوه خان خانان (٦٦) ، وذلك أوان الحرّ ، والسلطان ينام فوق سطح القصر ، ولا يكون عنده في ذلك الوقت إلّا بعض الفتيان ، فلما دخلوا الأبواب الأربعة ، وهم شاكّون في السلاح ، ووصلوا إلى الباب الخامس وعليه قاضي خان ، أنكر شأنهم وأحسّ بالشر فمنعهم من الدخول ، وقال: لا بدّ أن أسمع من خوند عالم بنفسي الإذن في دخولهم ، وحينئذ يدخلون ، فلما منعهم من الدخول هجموا عليه فقتلوه ، وعلت الضجّة بالباب فقال السلطان : ما هذا؟ فقال خسرو خان : هم الهنود الذين أتوا ليسلموا ، فمنعهم قاضي خان من الدخول ، وزاد الضّجيج فخاف السلطان ، وقام يريد الدّخول إلى القصر وكان بابه مسدودا والفتيان عنده ، فقرع الباب واحتضنه خسرو خان من خلفه ، وكان السلطان أقوى منه فصرعه ، ودخل الهنود ، فقال لهم خسرو خان : هوذا فوقي فاقتلوه! فقتلوه وقطعوا رأسه ورموا به من سطح القصر إلى صحنه(٦٧).
وبعث خسرو خان من حينه عن الأمراء والملوك ، وهم لا يعلمون بما اتّفق ، فكلّما دخلت طائفة وجدوه على سرير الملك ، فبايعوه ، ولما أصبح أعلن بأمره وكتب المراسم وهي الأوامر إلى جميع البلاد ، وبعث لكلّ أمير خلعة فطاعوا له جميعا واذعنوا إلا تغلق شاه والد السلطان محمد شاه ، وكان اذ ذاك أميرا بدبّال بور (٦٨) من بلاد السند ، فلما وصلته خلعة خسرو خان طرحها بالأرض وجلس فوقها وبعث إليه أخاه خان خانان فهزمه ، ثم آل أمره إلى أن قتله كما سنشرحه في أخبار تغلق.
ولما ملك خسرو خان آثر الهنود (٦٩) وأظهر أمورا منكرة منها النهى عن ذبح البقر
__________________
(٦٦) قد يكون خسرو صحب معه من كوجارات (gujarat) أربعين ألف شخص للحساب الخاص لعصبته: باروار (barwar) الذين كانوا هندوسا ، وذلك لتكوين جيش خاصّ به ـ خان خانان كان لقبأ ـ أخو خسرو كان يسمّى حسام الدين ، وكان قد ثار في كوجارات ضد قطب الدين مبارك ...
(٦٧) تمّ هذا الحدث في شهر أبريل ١٣٢٠ صفر ـ ربيع الأول ٧٢٠.
(٦٨) دبّال بور (dipalpur) في باكستان الحالية جنوب لاهور على بعد ٨٠ ميلا منها.
(٦٩) معظم المؤرخين المسلمين من الذين كتبوا حول أيام آل تغلق يوجهون هذه التهمة ضد خسرو بيد أنه لا يظهر أن هذا السلطان كانت له نية في التنكّر للإسلام ، وإنما كان يتوفر على فكرة متساهلة إزاء ديانة الهندوس الذين يكوّنون فصائله العسكرية بيد أنه كان أول عاهل في السلطنة من أصل هندوسي وليس بتركي وقد ساعد شعار «الدين في خطر» على لمّ شمل المعارضة حول غياث الدين تغلق. وهكذا فإن الاحتكاكات بين المسلمين والهندوس ليست وليدة العصور الحاضرة ولكنها متجذرة في التاريخ ...