ومن عوائدهم أيضا أنه من غاب عن دار السلطان (٧) ثلاثة أيام فصاعدا لعذر أو لغير عذر فلا يدخل هذا الباب بعدها إلا بإذن من السلطان ، فإن كان له عذر من مرض أو غيره قدّم بين يديه هدية مما يناسبه إهداؤها إلى السلطان ، وكذلك أيضا القادمون من الأسفار ، فالفقيه يهدي المصحف والكتاب وشبهه. والفقير يهدى المصلّى والسبحة والمسواك ونحوها ، والأمراء ومن أشبههم يهدون الخيل والجمال والسلاح ، وهذا الباب الثالث يفضي إلى المشور الهايل الفسيح الساحة المسمى هزار أسطون بفتح الهاء والزاي وألف وراء ، ومعنى ذلك ألف سارية ، وهي سواري من خشب مدهونة عليها سقف خشب منقوشة أبدع نقش يجلس الناس تحتها ، وبهذا المشور بجلس السلطان الجلوس العام.
ذكر ترتيب جلوسه للناس :
وأكثر جلوسه بعد العصر وربما جلس أول النهار ، وجلوسه على مصطبة مفروشة بالبياض ، فوقها مرتبة ، ويجعل خلف ظهره مخدة كبيرة ، وعن يمينه متكأ وعن يساره مثل ذلك، وقعوده كجلوس الإنسان للتشهد في الصلاة ، وهو جلوس أهل الهند كلهم ، فإذا جلس وقف أمامه الوزير ، ووقف الكتاب خلف الوزير وخلفهم الحجاب ، وكبير الحجاب هو فيروز ملك ابن عم السلطان ونائبه (٨) ، وهو أدنى الحجاب من السلطان ، ثم يتلوه خاص حاجب ، ثم يتلوه نائب خاص حاجب ، ووكيل الدار ونايبه ، وشرف الحجاب ، وسيد الحجاب ، وجماعة تحت أيديهم ، ثم يتلو الحجاب النقباء وهم نحو مائة.
وعند جلوس السلطان ينادي الحجاب والنقباء بأعلى أصواتهم : بسم الله ، ثم يقف على رأس السلطان الملك الكبير قبوله (٩) وبيه المذبّة يشرد بها الذباب ، ويقف مائة من السّلحدارية(١٠) عن يمين السلطان ، ومثلهم عن يساره بأيديهم الدرق والسيوف والقسّى ، ويقف في الميمنة والميسرة بطول المشور قاضي القضاة ، ويليه خطيب الخطباء ، ثم سائر القضاة، ثم كبار الفقهاء ، ثم كبار الشرفاء ، ثم المشايخ (١١) ، ثم إخوة السلطان وأصهاره ، ثم الأمراء الكبار ، ثم كبار الأعزة ، وهم الغرباء ثم القواد.
ثم يوتى بستين فرسا مسرجة ملجمة بجهازات سلطانية ، فمنها ما هو بشعار الخلافة ، وهي التي لجمها ودوايرها من الحرير الأسود المذهب ، ومنها ما يكون ذلك من
__________________
(٧) يعني من كبار رجالات الدولة الذين يقوم عليهم سير القصر ...
(٨) هو ابن رجب القائد العام لقوات السلطان تغلق.
(٩) تقدم الحديث عن (قبولة) في ٥٦٣,i وسياتي كذلك ٠٣٢ ,ii.
(١٠) سلحدار : كلمة من الاستعمال الفارسي ، تعني هيأة حراسة وتتمتع بنفوذ كبير ...
(١١) القصد على ما يبدو إلى رجال الدين الذين كانوا ينعمون بمرتبة محترمة في العاصمة.