الشام ، ولم أر في بلاد الدنيا أحسن أخلاقا من أهل خوارزم ، ولا أكرم نفوسا ولا أحبّ في الغرباء (٧).
ولهم عادة جميلة لم أرها لغيرها ، وهي أن المؤذنين بالمساجد يطوف كلّ واحد منهم على دور جيران مسجده معلما لهم بحضور الصلاة (٨) ، فمن لم يحضر الصلاة مع الإمام ضربه الامام بمحضر الجماعة ، وفي كل مسجد درّة معلقة برسم ذلك ، ويغرم خمسة دنانير تنفق في مصالح المسجد ، أو تطعم للفقراء والمساكين ، ويذكرون أن هذه العادة عندهم مستمرة على قديم الزمان.
وبخارج خوارزم نهر جيحون أحد الأنهار الأربعة التي من الجنة (٩) ، وهو يجمد في أوان البرد كما يجمد نهر إتل : ويسلك الناس عليه ، وتبقى مدة جموده خمسة أشهر (١٠). وربما سلكوا عليه عند أخذه في الذوبان فهلكوا!
ويسافر فيه في أيام الصيف بالمراكب إلى ترمذ ويجلبون منها القمح والشعير ، وهي مسيرة عشر للمنحدر.
وبخارج خوارزم زاوية مبنية على تربة الشيخ نجم الدين الكبرا ، وكان من كبار الصالحين(١١) ، وفيها الطعام للوارد والصادر ، وشيخها المدرس سيف الدين ابن عصبة من
__________________
(٧) ابن بطوطة هنا يرد الاعتبار لأهل خوارزم الذين نال منهم اللحام في شعره :
ما أهل خوارزم سلالة آدم |
|
ما هم وحقّ الله غير بهائم! |
أبصرت مثل خفافهم ورؤوسهم |
|
وثيابهم وكلامهم في العالم؟ |
ان كان يرضاهم أبونا آدم |
|
فالكلب خير من أبينا آدم!! |
ياقوت في معجم البلدان.
(٨) ظلت هذه العادة معروفة في بخارى إلى العصور الأخيرة على ما حكى لنا عند زيارة المنطقة.
(٩) نهر جيحون نهر أمودريا (amu darya) ونهر إتل هو الفولكا على ما تقدم.
(١٠) بقي ابن فضلان في الجرجانية (urgentch) طوال شهرين من شعبان رمضان ٣٠٩ دجنبر ٩٢١ إلى يبراير ٩٢٢ وقد قال بهذه المناسبة : وجمد جيجون من أوله إلى آخره وكان سمك الجمد سبعة عشر شبرا ، وكانت الخيل والبغال والعجل تجتاز عليه كما تجتاز على الطرق وهو ثابت لا يتخلخل فأقام على ذلك ثلاثة أشهر.!
(١١) نجم الدين الكبرا : رجل صالح صوفي سهروردي الطريقة ومؤسس طريقته الخاصة المعروفة بالطريقة الكبراوية التي لا تزال قائمة حتى أيامنا هذه ... وقد قتل من لدن المغول عند احتلالهم للجرجانية عام ٦١٧ ـ ١٢٢١ وما يزال قبره مزارة للناس هناك ـ اليافعي : مرآة الجنان وعبرة اليقظان فيما يعتبر من حوادث الزمان.
ف. ف. بارتولد : تركستان ، نقله عن الروسية صلاح الدين عثمان هاشم ـ الكويت ١٩٨١ صفحة ١٢٦ ـ ٥٣٦ ـ ٦١٤ ـ ٦١٦ ـ ٦٦٣ ، انظر تعليق الناشرين.iii ج d.s. ص ٤٥١.