سألني ابن عبّاس عن عيسى بن مريم وعن ميلاده ، وعن لقيه إبليس بعقبة بيت المقدس ، وعن نعت الإسلام ، وعن صفة محمّد صلىاللهعليهوسلم في الإنجيل. فقلت : نعم ، إنّ إبليس عدوّ الله ، اتّخذ مجلسا على اللجة (١) الخضراء ثم بثّ شياطينه في ولد آدم فقال : انطلقوا فأتوني بأحداث الدنيا ، فأتوه بجماعتهم لستّ ساعات مضين من النهار ، فقال : أخبروني عما كنت وجّهتكم؟ فقالوا : سيدنا ، كانت الأصنام بغيتنا ، ورجاء لضلالة ابن آدم ، فلم يبق صنم إلّا أصبح منكوسا ، قد انحدرت حدقتاه على وجنتيه ، فساء ظنّنا وأسقط في أيدينا ، فأتوه لستّ ساعات مضين من النهار ، فقال لهم إبليس : على رسلكم ، أعلم علم ما أتيتموني ، وكان ذلك ليلة ولد عيسى بن مريم في ثلاث عشرة ليلة مضت من ذي القعدة ، فخرّت الأصنام كلها سحبا وتنكّس كلّ صنم كان يعبد من دون الله تعالى ما بين المشرق والمغرب ، فانطلق إبليس فطار فغاب عنهم مقدار ثلاث ساعات من النهار ، فانصرف إليهم عوده على يديه فقال : إنّي لم أدع مشارق الأرض ومغاربها ، ولا برّها ولا بحرها ، ولا سهلها ولا جبلها إلّا أتيته فوجدت ذلك المولود ولد لغير بشر ، فأتيته من بين يديه لأضع يدي عليه ، فإذا الملائكة دونه كأنهم بنيان مرصوص ، من تخوم الثرى إلى أعناق السماء ، فأتيته من فوقه فإذا الملائكة مناكبها ثابتة في السماء ، وأرجلها تحت الأرض السفلى ، فلم أصل إلى (٢) ما أردت به ولأضلّنّ به أكثر ممن (٣) تبعه.
فلما بلغ عيسى ثلاثين سنة وبعثه الله رسولا إلى بني إسرائيل مصدّقا لما بين يديه من التوراة ومبشّرا برسول يأتي من بعده اسمه أحمد ، واتّخذ الآيات والعجائب ، من إحياء الموتى ، وخلق الطير ، وإبراء الأكمه والأبرص ، لقيه إبليس خاليا عند عقبة بيت المقدس ، فقال الخبيث في نفسه : لأنتهزنّ اليوم فرصتي من عيسى ، فقال له إبليس : أنت عيسى بن مريم؟ قال : نعم ، قال : أنت الذي تكوّنت من غير أب؟ إنّك لعظيم الخطر ، قال : العظمة للذي (٤) كوّنني ، قال : أنت عيسى بن مريم الذي بلغ من عظم ربوبيتك أنك تبرئ الأكمه والأبرص ، وتشفي المريض؟ قال : بل العزّة للذي بإذنه أشفيهم ، وإذا شاء أمرضني ، قال : أنت عيسى بن مريم؟ إنّك (٥) تحيي الموتى إنّك لعظيم الخطر ، قال : بل العظمة للذي بإذنه
__________________
(١) الأصل : الجنة ، والمثبت عن المختصر ، وتاريخ الطبري ١ / ٥٩.
(٢) كتبت «إلى» فوق الكلام بين السطرين في الأصل.
(٣) كذا بالأصل والمختصر.
(٤) الأصل : الذي.
(٥) كذا بالأصل : «إنك تحيي الموتى» وفي المختصر : «الذي يحيي الموتى» وهو أظهر.