أوحى الله تعالى إلى عيسى : أنزلني من نفسك كهمك ، واجعلني ذخرا لك في معادك ، وتقرّب إليّ بالنوافل أدنك ، وتوكّل عليّ أكفك ، ولا تولّ غيري فأخذلك ، اصبر على البلاء وارض بالقضاء ، وكن لمسرتي (١) فيك فإن مسرّتي أن أطاع ولا أعصى ، وكن مني قريبا ، وأحم ذكري بلسانك ، وليكن ودي في قلبك ، وتيقّظ في ساعات الغفلة وكن لي راغبا راهبا ، أمت قلبك بالخشية ، راع الليل لنجوى مسرتي ، وأظمئ لي نهارك لليوم الذي لك عندي ، نافس في الخيرات بجهدك ، وقم في الخليقة بعدلك ، واحكم فيهم بنصيحتي ، فقد أنزلت عليك شفاء وساوس الصدور من مرض الشيطان ، وجلاء الأبصار من غش الكلال ، ولا تكن حلسا كأنك مقبور وأنت حي ينفس بحق ، أقول ما آمنت بي خليقة إلّا خشعت ، ولا خشعت إلّا رجت ثوابي ، أشهدك أنها آمنة من عقابي ما لم تغيّر أو تبدّل سنّتي ، أكحل عينك بملمول الحزن إذا ضحك البطالون ، احذر ما هو آت من آمر المعاد من الزلازل والأهوال الشدائد حيث لا ينفع أهل ولا مال ولا ولد ، ابك على نفسك أيام الحياة بكاء من ودّع الأهل وملّ الدنيا وترك اللذات لأهلها ، وارتفعت رغبته فيما عند الله ، وكن على ذلك محتسبا صابرا ، طوبى لك إن نالك ما وعدت الصابرين برّح (٢) من الدنيا يوما بيوم ، وارض منها بالبلغة وليكفك منها الخشن ، ذق مذاقه ما قد ذهب منك أين طعمه؟ وما لم يأتك أين لذته؟ لو رأت عيناك ما أعددت لأوليائي الصالحين لذاب قلبك ، أو زهقت نفسك اشتياقا إليهم.
أخبرنا أبو محمّد بن طاوس ، أنبأنا أبو الغنائم بن أبي عثمان ، أنبأنا أبو الحسين بن بشران ، أنبأنا أبو علي بن صفوان ، أنبأنا أبو بكر بن أبي الدنيا ، حدّثنا الحكم بن موسى ، عن الخليل بن أبي الخليل ، عن صالح أبي شعيب قال : أوحى الله إلى عيسى : اكحل عينك بملمول الحزن إذا ضحك البطّالون.
أخبرنا أبو بكر وجيه بن طاهر ، أنبأنا أبو حامد الأزهري ، أنبأنا أبو سعيد محمّد بن عبد الله ، أنبأنا أبو حامد بن الشّرقي ، حدّثنا محمّد بن يحيى الذهلي (٣) ، حدّثنا عبد الرزّاق ، أنبأنا معمر ، عن الزهري ، وعن ابن طاوس عن أبيه ، قالا :
لقي عيسى بن مريم إبليس فقال : أما علمت أنه لا يصيبك إلّا ما قدر (٤) لك؟ ـ يعني ـ
__________________
(١) الأصل : كمسرتي.
(٢) كذا بالأصل هنا.
(٣) من طريقه رواه ابن كثير في البداية والنهاية ٢ / ٩٤ وقصص الأنبياء ٢ / ٤٠٥ ـ ٤٠٦.
(٤) في المصدرين : ما كتب لك.