يومه ويحصد من يومه ، ويطعم الناس من يومه ، فغضب الحواريّون وغيّروا عليهم ، وسكت المداهنون ؛ فانطلق الحواريون إلى عيسى فأخبروه بذلك ، فأوحى الله إلى عيسى : إنّي آخذهم بشرطي ، قال : فاعتزل عيسى والحواريّون عن عسكرهم ، فلمّا كان عند وجه الصبح بعث الله جبريل ، فصاح عليهم صيحة فزعوا منها فحوّلوا عن صورهم خنازير ، فلمّا أصبحوا نادى منادى عيسى بالرحيل ، وكان يرتحل بغلس ، فلم يخرج من عسكر القوم ، فأقام عيسى حتى أسفر فنظر الناس إليهم فقالوا : يا عجبا خنازير لها أذناب ، يسمع لها وحاوح ، فلما رأى ذلك عيسى بكى بكاء شديدا ، قال فجعلوا يومون برءوسهم إلى عيسى أن ادع ربّك ، وعيسى يدعوهم بأسمائهم ويقول : ألم أنهكم؟ فيومون برءوسهم أن نعم ، فمضى عيسى ، فأوحى الله إليه أن يقيم بمكانه ثلاثة أيام ، فأقام عيسى فاجتمع الناس ينظرون إليهم ، ثم ارتحل عنهم ، فأخذت الخنازير على إثر عيسى ، فأوحى [الله](١) إلى الأرض أن خذيهم ، فأخذتهم إلى ركبهم على المحجّة أربعة أيام ، ينظر الناس إليهم ، ثم أماتهم بعد سبعة أيام ، ثم أوحى الله إلى الأرض أن اخسفي بهم ، فخسفت بهم ، فطهّر الله الأرض من جيفتهم (٢) ، فانكسرت اليهود أعداء الله ، فقطعت ألسنتهم عن عيسى بن مريم ، فذلك الله (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ)(٣) فأما الخنازير فعلى لسان عيسى ، وأما القردة فهم أهل أيلة الذين اعتدوا في السبت وهم على لسان داود (٤).
أخبرنا أبو القاسم بن الحصين ، أنبأنا أبو طالب بن غيلان ، حدّثنا أبو بكر الشافعي ، حدّثنا أحمد بن يوسف ، حدّثنا بحر بن نصر ، حدّثنا عافية بن أيوب ، عن سعيد بن عبد العزيز ، عن أبي عثمان النهدي ، عن سلمان الفارسي أنّه حدّث قال :
لما سأل الحواريون عيسى أن ينزّل الله لهم المائدة قال : قام عيسى فألقى الصوف عنه ولبس الشعر والتحفة (٥) ، ووضع يمينه على شماله ، ووضعها على صدره ، وصفّ بين يديه ، وألزق الكعب بالكعب ، والإبهام بالإبهام ، وخفض برأسه خاشعا ، ثم أرسل عينيه بالبكاء حتى
__________________
(١) زيادة عن المختصر.
(٢) كذا رسمها بالأصل ، وفي المختصر : خسيفتهم.
(٣) سورة المائدة ، الآية : ٧٨.
(٤) الخبر رواه بطوله ابن كثير في تفسير سورة المائدة ، تفسير الآية ١١٢ / ٢ / ٦٨٢ وما بعدها ، إلى مسخهم خنازير راحوا يتبعون القاذورات والعذر في الكناسات. وقال ابن كثير : هذا أثر غريب جدا.
(٥) كذا رسمها بالأصل ، ولعل الصواب : والجبة» كما في الرواية السابقة.