الناس يخلع لباس السواد ، ولبس الخضرة وكان هذا بخراسان فلما سمع العباسيون فى بغداد ذلك آثارهم نقل الخلافة من البيت العباس إلى البيت العلوى ، وخلعوا المأمون ، وبايعوا عمه إبراهيم بن المهدى ، ولما بلغ المأمون ذلك تخلص من وزيره الفضل بن سهل ، وكان يحجبه فى مرو عن سائر الناس ، ويمنع الأخبار عنه ، وسار إلى بغداد ، وأعاد لباس السواد وأرضى بنى هاشم ، على أنه استمر فى إسناد الوزاره إلى الفرس ، فقلد الحسن بن سهل وزارته ، وتزوج ابنته ، وكان أعظم الناس منزلة عند المأمون (١) على أن نفوذ الفرس لم يستمر طويلا ، فلما توفى المأمون ، وولى المعتصم الخلافة ، أبعد الفرس كما أبعد العرب ، واستعان بالترك.
وصفوة القول أن الفرس اشتركوا فى الحياة السياسية فى بغداد وكان لهم أثر أوضح فى إدارة أمور الدولة ، واشتركوا فى الجيش ، الذى كان يضم فرقة منهم ، وساهموا بنصيب كبير فى الحياة الفكرية لكن بعضهم لم يصح إسلامه فأظهروا نحلهم القديمة كالزندقة ، وبذل الخلفاء قصارى جهدهم فى تعقبهم واستئصال شأفتهم وكان هؤلاء الفرس قد دخلوا فى الإسلام ظاهرا ليستفيدوا من حقوق المواطن المسلم لكنهم ظلوا يخلصون لعقيدتهم القديمة ، ويعملون على بثها فى العلوم والآداب.
الأتراك
إستاء المعتصم من الفرس والعرب ، ورأى ضرورة استبدالهم بعنصر آخر ، ليس له مطامح الفرس القومية ، ولا الأهواء السياسية التى للعرب يضاف إلى ذلك أن المعتصم أمه تركية ، وكان به صفات الآتراك من حيث الشجاعة وقوة البأس ، فضلا عن أن الأتراك يتميزون بالروح العسكرية.
جلب الأتراك إلى بغداد من بلاد ماوراء النهر ، وكانوا رجالا أشداء يعيشون
__________________
(١) ابن طباطبا : الفخرى فى الآداب السلطانية ص ٢٠٢.