ومن وسائل التسلية للصيد. وكان الخليفة المهدى شغوفا بالصيد ومطاردة الظباء ، وكان يقوم برحلات منظمة لهذا الغرض ، يصحبه فرسان يتقلدون السيوف ، ويتبعهم طائفة الجند والغلمان ويسير الخليفة محاذيا لنهر دجلة ارتيادا للخضرة التى تجنح إليها الطيور ، وتجذب إليها الغزلان ، وقد عنى غيره من الخلفاء والأمراء بالصيد حتى أنهم أخذوا يصنعون نصال سهامهم من الذهب كما عنوا باستخدام الصقر وغيره فى الصيد ، وحرصوا كذلك على تربية الكلاب السريعة العدو (١) وكان الأمين يصارع الأسود ويخرج إلى الصيد ومعه أصحاب اللبابيد والحراب على البغال ، وهم الذين كانوا يصطادون السباع.
ووجد المتمسكون بتعاليم الدين والمعادين لمجالس اللهو والطرب فى الإمام أحمد بن حنبل ضالتهم المنشودة ، فالتفوا حوله واعتنقوا مذهبه ، ومن هنا ظهرت فى بغداد طائفة الحنابله التى اشتدت وطاتها على الناس ، فكروا آلات الموسيقى ، وضيقوا الخناق على أهل الطرب واللهوا والعابثين والخارجين على الدين وتجولوا فى شوارع بغداد يأمرون الناس بالمعروف وينهون عن المنكر.
(ح) المرأة فى بغداد وأثرها فى المجتمع
شاع الحجاب بين نساء بغداد الحرائر ومع ذلك لم ينعزلن عن الحياة العامة ، بل شاركن فى أمورها بنصيب كبير. على أن الجوارى كان لهن نشاط ملموس فى الحياة الإجتماعية أكثر من الحرائر ، ذلك أن الناس حرصوا على حجاب الحرائر ، أما الجوارى فكان الحجاب لا يفرض عليهن ما لم يتجبن ، وقد يتزوج الرجل والمرأة الحرة دون أن يراها ، وإذا أراد الرجل أن يستمع إلى الغناء أو يلهو يذهب إلى بيوت تجار الرقيق حيث القيان يقيمن بالغناء له دون حرج.
لذلك كان من الطبيعى أن يلقن الأدباء والشعراء أدبهن وشعرهم للجوارى دون الحرائر. فلا عزو أن يحرص الرجال على تعليم الجوارى أكثر من حرصهم على تعليم الحرائر (٢).
__________________
(١) المسعودى : مروج الذهب ج ٢ ص ٢٤٦.
(٢) أحمد أمين : ضحى الإسلام ج ١ ص ٩٨.