وأدى اهتمام رجال بغداد بالجوارى إلى ظهور تنافس بين الحرائر والجوارى ، فكانت أم موسى الحميرية ـ زوجة المنصور ـ اشترطت عليه ألا يتخذ سرية ، وكتبت عليه بذلك كتابا أكدت عليه فيه رغبتها هذه ، وأشهدت عليه الشهود والثقات المعتدلين.
على أن الحجاب الذى فرض على المرأة الحرة فى بغداد لم يمنعها من ممارسة النشاط فى الحياة العامة ، فكانت ابنة الخليفة المهدى تسير راكبة بين يديه على هيئة الجند (١).
ومن أبرز سيدات بغداد فى العصر الذى نكتب عنه الخيزران زوجة الخليفة المهدى وأم الهادى والرشيد ، فقد أتيحت لها الفرصة لإظهار موهبها وفرض إرادتها (١).
زاد نفوذ الخيزران فى بغداد ، وتدخلت فى أمور الدولة السياسية وشؤون الحكم ، وحرص المهدى على رفع مستواها الاجتماعى ، فأمرها بأن تلزم زينب بنت سليمان بن على بن عبد الله بن العباس ، لتقتبس من آدابها ، وتأخذ من أخلاقها فهى على حد قول المهدى «عجوز لنا قد أدركت أوائلنا» (٢) والواقع أنها كانت جليلة القدر مثقفة واسعة الإطلاع.
وكان الهادى كثير الطاعة لأمه الخيزران مجيب لها فيما تسأل عن حوائج الناس ، ومواكب ذوى الحاجات لا تخلو من بابها. على أن تدخلها فى شؤون الدولة واستبدادها بالأمر والنهى ـ كما كان حالها أيام المهدى أغضب الهادى ، فنهاها بقوله : «إنه ليس من قدر النساء الاعتراض فى أمر الملك» وأمرها بألا تستمع لذوى الحاجات ، وألا تأذن لأحد برفع مطلبه إليها ، ونصحها بالتفرغ. للصلاة والتسبيح (٣).
__________________
(١) الطبرى : تاريخ الأمم والملوك حوادث سنة ١٦٩ ه.
John Glubb : The Empire of the Arabs. p. ٥٦٢.
(٢) المسعودى : مروج الذهب ج ٢ ص ٢٤٨.
(٣) الطبرى : تاريخ الأمم والملوك ، حوادث سنة ١٧٠ ه.