على أن الخيزران لم تستجب لمطلب ابنها الهادى ، فاستمرت فى مزاولة نشاطها فى الحياة العامة ، فلما اعتزم الهادى خلع أخيه هارون من ولاية العهد ومبايعة أبنه بدلا منه ، تصدت له الخيزران ، وانضم إليها يحيى بن خالد بن برمك فى دحض محاولة الهادى (١).
ظل نفوذ الخيزران فى عهد الرشيد على ما كان عليه فى عهد أخيه الهادى وأبيه المهدى. فكان يحيى بن خالد بن برمك ـ وزير الرشيد ـ ويأخذ برأيها وتوفيت فى عهد الرشيد ، وقدرت ثروتها يوم وفاتها بمائة ألف ألف وستين ألف ألف درهم ، ووجد فى منزلها من ثياب الوشى ١٨ ألف (٢).
ومن ذلك نرى أن الخليفة المهدى قد أتاح للمرأة فرصة إظهار مواهبها ، ولم يعزلها عن الحياة العامة ، ولا أدل على ذلك من أن أبنته عليه ذاعت شهرتها على اعتبار أنها من أرباب الفنون الرفيعة ، وزاد فى شهرتها ولعها بالشعر والغناء والأدب ، وبلغت فى الغناء درجة كبيرة من الاتقان ، بل وضعت ألحانا قيمه ، وكانت واسعة الاطلاع ، ومن أحسن النساء وأظرفهن ومما شجعها على الغناء إقبال أخيها إبراهيم بن المهدى وأخته وتوفيت سنة ٢١٠ ه. وبلغ من تفوقها الأدبى أنها كانت تراسل بالشعر (٣). واشتغال هذه السيدة بالغناء دليل على أن المرأة كانت تتاح لها الفرصة لإبراز مواهبها الأدبية والفنية.
ومن أشهر نساء بغداد فى العصر العباسى الأول السيدة زبيده أم جعفر ـ زوجة الرشيد ـ ساهمت مع زوجها مساهمة كبيرة فى إصلاح أحوال البلاد وتخفيف أعباء الحياة عن الأهلين ، ومن أفضالها أنها سقت أهل مكة المكرمة الماء ، بعد أن كانت القربة من الماء عندهم بدينار ، فأسالت الماء عشرة أميال من المرتفعات القريبة من مكة حتى نقلته من الحل إلى الحرام ، وكان لها بجوار الكعبة دار عرفت بأسمها ، وقامت بإصلاحات جليلة فى المدينة المنورة ، ومهدت طريق الحج
__________________
(١) الأغانى ج ٨ ص ٢٣٤.
(٢) المسعودى : مروج الذهب ج ٢ ص ٥٦٧.
(٣) الأصفهانى : الأغانى ج ١٠ ص ١٦٢.