عبيد الله مصليين ، وأسرع في الثالث ـ أو ثلاثة وأسرع في الرابع ـ موضع الركبتين ، والوجه ، والقدمين (١) ، لكثرة صلاته ، وكان له في كل يوم كرّ دقيق يتصدق به على المساكين ، وكان يلي ذاك مولّى له ، فلمّا اشتد الغلاء أتاه فقال : قد غلا السعر ، فلو نقصنا من هذا؟ فقال : أنت شيطان ـ أو رسول الشيطان ـ صيره كرّين ، فكان له في كلّ يوم بعد ذلك كران يخبزان للمساكين ، وأخبرت أن الجسور يوم مات امتلأت ، فلما يعبر عليها إلّا من تبع جنازته من مواليه ، واليتامى ، والأرامل ، والمساكين ، ودفن في مقبرة قريش ببغداد ، وصلى عليه علي بن المهدي.
أخبرنا أبو القاسم النسيب ، وأبو الوحش المقرئ ـ إذنا ـ عن رشأ بن نظيف ـ ونقلته من خطه ـ أنا أبو الفتح إبراهيم بن علي بن إبراهيم بن سيبخت البغدادي ، نا أبو بكر محمّد بن يحيى الصولي ، نا أحمد بن إسماعيل الخصيبي ، نا سويد بن عبد العزيز ، عن أبيه قال :
وصف رجل أبا عبيد الله كاتب المهدي فقال : ما رأيت أوقر من حلمه ، ولا أطيش من قلمه (٢).
أخبرنا أبو غالب ، وأبو عبد الله ابنا البنّا ، قالا : أنا أبو جعفر بن المسلمة ، أنا أبو طاهر المخلّص ، نا أحمد بن سليمان ، نا الزبير بن بكّار (٣) ، حدّثني عبد الله بن نافع بن ثابت قال :
بعث أبو عبيد الله إلى عبد الله بن مصعب ـ يعني ـ ابن ثابت بن عبد الله بن الزبير في أول ما صحب أمير المؤمنين المهدي بألفي دينار ، فردّها وكتب إليه : إنّي لا أقبل صلة إلّا من خليفة ، أو ولي عهده.
قال الزبير : وجدت في كتاب من كتب محمّد بن سلام :
بعث أبو عبيد الله إلى عبد الله بن مصعب بألفي دينار صلة ، وعشرين ثوبا ، فلم يقبلها وكتب إليه : أن لو كان قابلا من سوى الخليفة قبلها ، وكتب إليه : أصلحك الله ، وأمتع بك ما لسببك ومناحتك آخيناك ، ولا لاستقلال ما بعثت به والسخط له كان ردّنا إياه عليك ، ولكنا آخيناك ووددناك وشكرناك لفضلك ونبلك ، وقسم الله لك في رأيك ومعرفتك ورعايتك حق ذوي الحقوق ، ولقد أصبحت عندنا بالمنزل الذي لا يزيدك فيه صلة وصلتنا بها ، ولا يضرك ردّناها.
__________________
(١) في تاريخ بغداد : واليدين.
(٢) الخبر في تاريخ الإسلام (١٦١ ـ ١٧٠) ص ٥٥١ وفيه : «أوفر ... أغزر».
(٣) رواه الذهبي في تاريخ الإسلام ص ٥٥١.