وثالثا : إنّ عدم تسليم كون العرفان الحاصل بالنظر دافعا للخوف ، لاحتمال فساد النظر ، خطأ ثالث ؛ لأنّ كلّ قاطع لا يتصوّر حين قطعه أنّه مخطئ ، ولا يحتمل فساد نظره ، إذ يرى أنّه قد انكشف له الواقع ، وإلّا لم يكن قاطعا (١) ، فكيف لا يرتفع خوفه وإن كان مخطئا في نفس الأمر والواقع؟!
بل عرفت في المبحث السابق (٢) أنّ النظر دافع للخوف وإن لم يؤدّ إلى القطع ؛ لأنّه غاية المقدور.
فإن قلت :
المقصود : إنّ من يريد النظر يحتمل أنّه على تقدير قطعه يكون مخطئا ، فلا يكون الإقدام على النظر مؤمّنا من الخطأ ودافعا للخوف حتّى يجب.
قلت :
إنّه وإن احتمل ذلك ، إلّا أنّه يعلم بانتفاء الخوف معه ، لعلمه بكون القاطع معذورا وإن أخطأ ، فالإنسان بدون النظر في خوف ، ومع النظر يحصل له الأمان ، لعلمه بأنّه إمّا أن يحصل له القطع ، أو لا.
وعلى التقديرين يكون معذورا آمنا ؛ لأنّ ذلك غاية مقدوره.
وأمّا ما ذكره في دفع الدور ، فلا ربط له بمقدّمتي الدور اللتين
__________________
(١) انظر : كفاية الأصول : ٢٥٨.
(٢) انظر الصفحة ١٤٨.