والمراد من « الفناء » : محو العبد صفاته وهويّته التعينية بكثرة الرياضات (١) ، والاصطلام (٢) من الوارد الحقّ.
و« البقاء » : هو تجلّي الربوبية على العبد بعد السلوك والمقامات ، فيبقى العبد بربّه (٣).
وهذه أحوال لا يطّلع عليها إلّا أربابها ، ومن سمع شيئا من مقالاتهم ولم يفهم إرادتهم من تلك الكلمات ، حمل كلامهم على الاتّحاد والحلول.
عصمنا الله من الوقيعة في أوليائه ، فقد ورد في الحديث الصحيح القدسي : « من عادى لي وليّا فقد آذنته بحرب » (٤)
وأمّا ما نقل عنهم أنّهم يقولون : إنّه تعالى نفس الوجود ؛ فهذه مسألة دقيقة لا تصل حوم (٥) فهمها (٦) أذهان مثل هذا الرجل.
وجملتها أنّهم يقولون : إنّه لا موجود إلّا الله.
ويريدون به أنّ الوجود الحقيقي لله تعالى ؛ لأنّه من ذاته لا من غيره ، فهو الموجود في الحقيقة ، وكلّ ما كان موجودا غيره فوجوده من الله ، وهو
__________________
(١) انظر : اصطلاحات الصوفية ـ لابن عربي ـ : ٩ رقم ٣٨.
(٢) الاصطلام : نوع وله يرد على القلب فيسكن تحت سلطانه ، أو : هو الوله الغالب على القلب ، وهو قريب من الهيمان ؛ انظر : اصطلاحات الصوفية ـ لابن عربي ـ : ١٥ رقم ٩٣ ، معجم اصطلاحات الصوفية ـ للكاشاني ـ : ٥٥.
(٣) انظر : اصطلاحات الصوفية ـ لابن عربي ـ : ٩ رقم ٣٧ ، معجم اصطلاحات الصوفية ـ للكاشاني ـ : ٣٦٧.
(٤) صحيح البخاري ٨ / ١٨٩ ح ٨٩.
(٥) حام فلان على الأمر حوما وحومانا وحياما : رامه وطلبه ودار عليه ؛ انظر : تاج العروس ١٦ / ١٨٧ مادّة « حوم ».
والمراد هنا هو : الطرف والحدّ ، فكأنّه قال : لا يصل إلى شيء من فهمها ...
(٦) كانت الجملة في الأصل هكذا : « لا يصل حول فهمه » ؛ والمثبت من المصدر.