وأمّا قوله : « إنّ كلّ عاقل يعلم أنّ المتكلّم من قامت به صفة التكلّم » ..
فقد خالف به الأشاعرة ، حيث قالوا : « المتكلّم من قام به الكلام » كما ذكره القوشجي (١) ، وقد فرّ بذلك عمّا أورد عليهم ، وذكره الشريف الجرجاني ـ على ما نقل عنه ـ وهو أنّ الكلام هيئات وكيفيات عارضة للصوت القائم بالهواء (٢).
فيكون الكلام قائما بالهواء ، والهواء ليس قائما بالمتكلّم حتّى يقال :
ما قام به قائم بالمتكلّم بالوساطة.
فإذا ، نسبة الكلام إلى المتكلّم ليست لقيامه فيه ، بل بأن يعيّن حروفه وكلماته ، ويميّز بعضها عن بعض .. فلو كان المتكلّم من قام به الكلام ، لم يصحّ إطلاقه على الإنسان.
فالتجأ الشريف وتبعه الفضل إلى القول بأنّ المتكلّم من قام به التكلّم ، ولم يعلما أنّ التكلّم حينئذ يكون بمعنى تعيين الحروف وإيجادها ، والمتكلّم بمعنى موجدها.
فيكون التكلّم قائما بذاته تعالى قيام صدور ، بلا حاجة إلى المعنى النفسي ، كما يقوم بالبشر ، ويوصف كلّ منهما بالمتكلّم بمعنى واحد.
هذا لو حملنا كلامه على ما أراده الشريف.
وأمّا إذا أخذنا بظاهره ، حيث عرّف « المتكلّم » ـ بحسب النسخ التي وجدناها ـ بمن قامت به صفة المتكلّم ، بصيغة اسم الفاعل لا المصدر ،
__________________
(١) شرح التجريد : ٤١٩.
(٢) انظر مؤدّاه في تعريف الصوت من كتابه التعريفات : ١٣٥.