عين مدلول ما هو مقيّد بالزمان ، اللهمّ إلّا أن يدّعى أنّ مراد المجيب أنّ الكلام النفسي ـ المدلول للّفظي ـ هو ما قيّد بالتعلّقات الحادثة ، فلا يرد شيء من ذلك ، ولكنّه لا يتمّ على مذهبهم لقولهم بقدم النفسي.
ثمّ لا يخفى أنّ مثل قوله تعالى : ( إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً ) لا يصحّ أن يكون الكلام النفسي فيه من قبيل : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ) (١) ممّا ليس بماض ونزّل منزلة الماضي ، حتّى يرتفع الكذب.
وذلك لأنّ التنزيل للمعنى يستدعي دلالة اللفظ على المنزّل ، ومن المعلوم أنّ لفظ قوله تعالى : ( أَرْسَلْنا نُوحاً ) دالّ على الماضي حقيقة ، لا الماضي تنزيلا.
وأمّا ما أجاب به عن قوله تعالى : ( إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ ) .. الآية (٢).
ففيه : إنّ الآية تدلّ على حدوث الأمر التكويني في المستقبل ، بما هو حامل للمعنى ـ الذي هو الكلام النفسي عندهم ـ ، إذ ليس المقصود مجرّد حدوث لفظ ( كُنْ ) ؛ لأنّ الأثر في التكوين ليس للّفظ نفسه ، بل لما تحمل من المعنى القائم بالنفس ، وهو الذي يتفرّع عليه كون الشيء وحدوثه في المستقبل ، وتفرّعه عليه هنا ظاهر في حدوثه بعد انقضائه ، ولا ينقضي إلّا الحادث ؛ لأنّ ما ثبت قدمه امتنع عدمه!
* * *
__________________
(١) سورة يس ٣٦ : ٥١ ، وسورة ق ٥٠ : ٢٠.
(٢) سورة النحل ١٦ : ٤٠.