الأنبياء على صدق كلامه تعالى ..
فقالوا في الجواب : إنّ ثبوت صدق النبيّ غير موقوف على تصديق الله له بكلامه حتّى يلزم الدور ، بل على تصديق الله له بالمعجزة ، وهو تصديق فعلي لا قولي (١).
وفيه : إنّ المعجزة إنّما تدلّ على إنّه مرسل من الله تعالى ، وأنّ ما جاء به من عنده ، لا على إنّ كلام النبيّ صدق مطابق للواقع مطلقا ، وإن كان من نفسه.
على إنّ إفادة المعجزة لليقين برسالته محلّ منع على مذهبهم كما ستعرفه إن شاء الله تعالى.
وبالجملة : العلم بصدق النبيّ موقوف على تصديق الله تعالى إيّاه.
فإن ادّعوا تصديقه له بكلامه تعالى جاء الدور ..
وإن ادّعوا تصديقه بالمعجزة ، فإن كان اقتضاؤها ـ لصدق النبيّ في خبره بصدق كلام الله تعالى ـ ناشئا من إخبار الله بصدق نفسه ، رجع الدور إلى حاله ، وإلّا فلا تدلّ المعجزة على صدق النبيّ في خبره من نفسه.
على إنّ المعجزة ليست بأعظم من التصديق القولي ، وقد فرض الشكّ في صدقه.
ثمّ إنّ الأشاعرة استدلّوا بدليل ثالث على امتناع الكذب عليه تعالى ، وهو : إنّه تعالى لو اتّصف بالكذب لكان كذبه قديما ، إذ لا يقوم الحادث بذاته تعالى ، فيلزم أن يمتنع عليه الصدق المقابل لذلك الكذب ، وإلّا جاز زوال ذلك الكذب ، وهو محال ؛ فإنّ ما ثبت قدمه امتنع عدمه.
__________________
(١) انظر : المواقف : ٢٩٦ ، شرح المواقف ٨ / ١٠٢ ـ ١٠٣.