ثمّ إنّ الله تعالى خلق للنفس آلات بها يحصل الإدراك ، وهي القوى الحاسّة ، فيحسّ الطفل ـ في أوّل ولادته ـ بحسّ اللمس ما يدركه من الملموسات.
ويميّز بواسطة الإدراك البصري ـ على سبيل التدرّج ـ بين أبويه وغيرهما.
وكذا يتدرّج في الطعوم ، وباقي المحسوسات ، إلى إدراك ما يتعلّق بتلك الآلات.
ثمّ يزداد تفطّنه فيدرك بواسطة إحساسه بالأمور الجزئية ، الأمور الكلّيّة ، من المشاركة والمباينة (١) ، ويعقل الأمور الكلّيّة الضرورية بواسطة إدراك المحسوسات الجزئية.
ثمّ إذا استكمل الاستدلال (٢) ، وتفطّن بمواضع الجدال ، أدرك بواسطة العلوم الضرورية ، العلوم الكسبية.
فقد ظهر من هذا أنّ العلوم الكسبيّة فرع على العلوم الضرورية الكلّيّة ، والعلوم الضرورية الكلّيّة فرع على المحسوسات الجزئية.
فالمحسوسات إذا : هي أصل الاعتقادات ، ولا يصحّ الفرع إلّا بعد
__________________
(١) المشاركة : هي معرفة الأشياء بأمثالها ؛ والمشترك : هو اللفظ الواحد الذي تعدّد معناه وقد وضع للجميع كلّا على حدة ، ككلمة « عين » الموضوعة لحاسّة النظر وينبوع الماء ومعدن الذهب وغيرها.
والمباينة : هي معرفة الأشياء بأضدادها ؛ والتباين : هو أن تكون معاني الألفاظ متكثّرة بتكثّر الألفاظ ، وإن كانت المعاني تلتقي في بعض أفرادها أو كلّها ، مثل « السيف » و« الصارم » فإنّ الصارم خصوص القاطع من السيوف ، فهما متباينان معنى وإن كانا يلتقيان في الأفراد.
انظر : المنطق ١ / ٤١ و ٤٥.
(٢) كان في الأصل : « العلوم » ؛ وما أثبتناه من نهج الحقّ.