وقال الفضل (١) :
هذه الشبهة اضطرّت المعتزلة إلى اختيار هذا المذهب ، وإلّا لم يجترئ أحد من المسلمين على إثبات تعدّد الخالقين في الوجود.
والجواب : إنّ تكليف فعل الطاعات واجتناب المعاصي باعتبار المحلّيّة لا باعتبار الفاعليّة ، ولأنّ العبد لمّا كانت قدرته واختياره مقارنة للفعل ، صار كاسبا للفعل ، وهو متمكّن من الفعل والترك ، باعتبار قدرته واختياره الموجب للكسب والمباشرة ، وهذا يكفي في صحّة التكليف ولا يحتاج إلى إثبات خالقيّته للفعل ، وهو محلّ النزاع (٢).
وأمّا الثواب والعقاب المترتّبان على الأفعال الاختيارية ، فكسائر العاديّات المترتّبة على أسبابها بطريق العادة من غير لزوم عقلي والتجاء سؤال.
وكما لا يصحّ عندنا أن يقال : لم خلق الله الإحراق عقيب مسيس النار؟ ولم لا يصحّ ابتداء؟ فكذا ها هنا لا يصحّ أن يقال : لم أثاب عقيب أفعال مخصوصة ، وعاقب عقيب أفعال أخرى ، ولم لا يفعلها ابتداء ولم يعكس فيهما؟
وأمّا التكليف والتأديب والبعثة والدعوة ، فإنّها قد تكون دواعي العبد إلى الفعل واختياره ، فيخلق الله الفعل عقيبها عادة ، وباعتبار ذلك يصير
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٢٢.
(٢) انظر : شرح التجريد : ٤٤٤ ـ ٤٤٥.