وأقول :
حاصل مراد المصنّف : إنّ الظاهر عندنا الضروري لدينا ، أنّ الفعل إنّما تتفرّع إرادته وإيجاده عن ثبوت الداعي له وانتفاء الصارف عنه ، وتتفرّع كراهته وتركه عن وجود الصارف عنه وعدم الداعي له.
ولا ريب أنّ الفعل الذي به الطاعة حسن ، والحسن جهة دعاء ، والفعل الذي به المعصية قبيح ، والقبح جهة صرف ، فلا بدّ أن يكون ما به الطاعة مراد الله تعالى ؛ لوجود الداعي له وهو حسنه بلا صارف عنه ، وما به المعصية مكروها لله تعالى ؛ لوجود الصارف عنه وهو قبحه بلا داع له ..
لأنّ الداعي : إمّا الحاجة إليه ، أو الجهل بقبحه ، وهما منتفيان في حقّ الله تعالى.
أو الحكمة ، وهي منافية لفعل القبيح ، فيلزم أن تثبت إرادة الله تعالى للطاعات ، وكراهته للمعاصي ، إرادة وكراهة تشريعيّتين عندنا وتكوينيّتين عند الأشاعرة.
لكنّهم خالفوا المحسوس بقولهم : إنّ الله تعالى يريد كلّ ما وقع في الوجود من الأفعال ، سواء كان طاعة أم معصية ، ويكره كلّ ما لم يقع (١).
فإذا عرفت هذا ظهر لك أنّ مراد المصنّف هو : الداعي والصارف لله تعالى لا للعبد كما تخيّله الخصم ، فأجاب بما لا يرتبط بكلام المصنّف أصلا.
__________________
(١) راجع الصفحة ٦٣ من هذا الجزء.