وأقول :
لا يخفى أنّ حمل الآيات على مجرّد المنفعة والفائدة من دون أن تكون غرضا وعلّة غائيّة مستبعد جدّا ، بل هو ممتنع في أكثرها ، كالآية الأولى ، فإنّها دالّة على أنّ خلق السماوات والأرض بما فيهما من المنافع والفوائد صالح لأن يقع على نوعين : لعب ، وغير لعب ، ولا وجه له إلّا قصد الغاية وعدم قصدها ، وإلّا فلا يصحّ تنويع ما فيه الفائدة إلى نوعين :
لعب لا فائدة فيه ، وغير لعب فيه الفائدة.
* وكقوله تعالى : ( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) (١) فإنّه لا يمكن حمله على المنفعة والفائدة ؛ لأنّ المعنى حينئذ يكون :
ما خلقت كلّ فرد من الجنّ والإنس إلّا وفائدته ومنفعته العبادة .. وهو كذبّ ، إذ ليس كلّ فرد منهم عابدا ، بخلاف ما إذا قصد الغرض ، فإنّه لا يلزم حصوله.
وليس المقصود جنس الجنّ والإنس حتّى لا يلزم الكذب على تقدير إرادة الفائدة ؛ لأنّه نسب العبادة إلى ضمير الجمع الدالّ على الثبوت لكلّ فرد ؛ على أنّه لو قصد الجنس يكون أكثر الأفراد بلا فائدة ؛ لدلالة الآية على انحصار فائدة خلق الجنس الحاصل في خلق أفراده بالعبادة ، وحينئذ فيعود محذور الكذب.
* وكقوله تعالى : ( فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا ) (٢) الآية ، فإنّه لا معنى
__________________
(١) سورة الذاريات ٥١ : ٥٦.
(٢) سورة النساء ٤ : ١٦٠.