لجعل ظلمهم وصدّهم عن سبيل الله منفعة وحكمة لتحريم الطيّبات ، وإنّما هما سبب وداع للتحريم.
* وكقوله تعالى : ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ ) (١) الآية ، فإنّه لا معنى لجعل عصيانهم منفعة وفائدة للعنهم ، وإنّما هو سبب وداع له.
فإن قلت : كما لم يكن الظلم والصدّ والعصيان منافع ، لا تكون أغراضا؟!
قلت : نعم ، ولكنّ التعليل يستلزم الغرض ؛ إذ لا يمكن سببيّة شيء لأن يفعل سبحانه باختياره وهو لا غرض له ؛ كما سبق.
ولو سلّم مسلّم ، فالآيتان لمّا دلّتا على تعليل أفعاله تعالى ، صحّ إثبات الغرض له ، الذي هو أيضا علّة باعثة على الفعل ؛ لأنّ النقص ـ على زعمهم ـ يأتي أيضا من قبل التعليل ؛ لأنّه يستدعي حاجته إلى العلّة في فعله ، فإذا اقتضت الآيتان عدم النقص بالتعليل صحّ إثبات الغرض.
ثمّ لو سلّم إمكان حمل الآيات كلّها على مجرّد الفائدة ، فلا داعي له بعد عدم المعارضة بالنقل كما هو ظاهر ، ولا بالعقل ؛ لفساد أدلّته ، مع إنّهم لم يجروها في القياس كما سبق! واعلم أنّ الغرض هو الغاية ، فما معنى نفي الخصم الغرض لأفعاله تعالى وإثبات الغاية لها؟!!
وقد حصل هذا التناقض منه قبل ـ كما في أوّل هذا المطلب ـ إذ ذكر أنّ الأشاعرة قالوا : لا يجوز تعليل أفعاله بشيء من الأغراض والعلل الغائيّة (٢) ، ثمّ قال في آخر كلامه : « وما ورد من الظواهر الدالّة على تعليل
__________________
(١) سورة المائدة ٥ : ٧٨.
(٢) انظر الصفحة ٢٩ من هذا الجزء.