وقال الفضل (١) :
هذا الوجه بطلانه أظهر من أن يحتاج إلى بيان ؛ لأنّ أحدا لم يقل :
بأنّ الفاعل المختار الحكيم لم يلاحظ غايات الأشياء والحكم والمصالح فيها.
فإنّهم يقولون في إثبات صفة العلم : إنّ أفعاله متقنة (٢) ، وكلّ من كان أفعاله متقنة فلا بدّ أن يلاحظ الغاية والحكمة ، فملاحظة الغاية والحكمة في الأفعال لا بدّ من إثباته بالنسبة إليه تعالى ، وإذا كان كذلك كيف يجوز التسوية بين العبد المطيع والعبد العاصي؟! وعندي أنّ الفريقين من الأشاعرة والمعتزلة ومن تابعهم من الإمامية لم يحرّروا هذا النزاع ولم يبيّنوا محلّه ، فإنّ جلّ أدلّة المعتزلة دلّت على إنّهم فهموا من كلام الأشاعرة نفي الغاية والحكمة والمصلحة ، وإنّهم يقولون : إنّ أفعاله اتّفاقيات كأفعال من لم يلاحظ الغايات (٣) ، واعتراضاتهم واردة على هذا.
فنقول : الأفعال الصادرة من الإنسان مثلا مبدؤها دواع مختلفة ، ولا بدّ لهذه الدواعي من ترجيح بعضها على بعض ، والمرجّح هو الإرادة الحادثة (٤) .. فذلك الداعي الذي بعث الفاعل على الفعل مقدّم على وجود
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ١ / ٤٤٥.
(٢) الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ١٨٨ ، المواقف : ٢٨٥.
(٣) الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٥٠ ـ ٣٥٤.
(٤) الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٢٠٥ ـ ٢٠٨.