وأقول :
لا ريب أنّ المدح والذمّ تابعان لحسن الأشياء وقبحها ، والحسن والقبح قد لا يعتبر فيهما القصد والاختيار ؛ لعدم كون متعلّقهما من الأفعال الاختيارية ، بل من الصفات الذاتية ، كصفاء اللؤلؤ وكدرته ، وجمال الوجه وحسنه.
وقد يعتبر فيهما القصد والاختيار ؛ لتعلّقهما بالفعل الاختياري ، فإنّ الفعل الاختياري لو وقع بلا قصد لم يوصف بالحسن والقبح ، ولا يحمد عليه الفاعل ولا يذمّ ، كفعل النائم ، فإنّ النائم إذا صدرت منه كلمة الإيمان والكفر لم توصف بحسن ولا قبح منه ، ولا يحمد عليها ولا يذمّ.
وكذا لا يذمّ الشخص على الفعل إذا أكره عليه ، كما وقعت كلمة الكفر من عمّار بإكراه قريش فلم يذمّ عليها ، ونزل قوله تعالى : ( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) (١).
ولو انتفى أصل الصدور من الشخص ، كان الفعل أولى بعدم اتّصافه بالحسن والقبح منه ، وكان الشخص أولى بأن لا يحمد أو يذمّ عليه ، سواء لم يرتبط به الفعل أصلا أم ارتبط به بنحو المحلّيّة أو الآليّة بلا اختيار ولا تأثير.
فإنّ الحجارة لا تحمد ولا تذمّ على الإيلام ، ولا يحسن منها ولا يقبح ، وإنّما يحمد الرامي أو يذمّ على الإيلام لحسنه منه أو قبحه
__________________
(١) سورة النحل ١٦ : ١٠٦.