فالقسم على أي صورة من هذه الصور فيه ضرب من التأكيد ، لأن فيه إشعارا من جانب المقسم بأن ما يقسم عليه هو أمر مؤكد عنده لا شك فيه ، وإلا لما أقسم عليه قاصدا متعمدا. ومن أجل ذلك عدّ البلاغيون القسم من مؤكدات الخبر.
٨ ـ «نونا التوكيد» : وهما نون التوكيد الثقيلة ، أي المشددة ، ونون التوكيد الخفيفة ، أي غير المشددة ، وهما يدخلان على المضارع بشروط وعلى الأمر جوازا ، وقد اجتمعا في قوله على حكاية على لسان امرأة عزيز مصر في قصة يوسف : (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ).
٩ ـ «الحروف الزائدة» : وهي «إن» المسكورة الهمزة الساكنة النون ، و «أن» المفتوحة الهمزة الساكنة النون ، و «ما» ، و «لا» ، و «من» و «الباء» ، الجارتان. وليس معنى زيادة هذه الحروف أنها قد تدخل لغير معنى البتة ، بل زيادتها لضرب من التأكيد.
فمثال «إن» : «ما إن قبلت ضيما» والأصل «ما قبلت ضيما» فدخول «إن» قد أكد معنى حرف النفي الذي قبله.
أما «أن» فتزاد توكيدا للكلام ، وذلك بعد «لما» بتشديد الميم ، نحو قوله تعالى : (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً) والمراد فلما جاء البشير ...
و «ما» تزاد في الكلام لمجرد التأكيد ، وهذا كثير في القرآن الكريم والشعر وسائر الكلام. ومثاله من القرآن قوله تعالى : (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ ، لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)(١). وأصل تركيب «فإما تثقفنّهم» «فإن ما تثقفنّهم» «فإن» حرف شرط يدل على ارتباط جملتين
__________________
(١) هذه الآية نزلت في يهود المدينة الذين تكرر منهم نقض عهودهم مع النبي. والمعنى فإما تظفرن بهم فنكل بهم تنكيلا شديدا يكون سببا في تشريد وتشتيت من يقفون خلفهم من كفار مكة.