لم يسبق له مثيل ، فغدت ليس فقط بوّابة لبنان الحضاريّة ، بل بوّابة الشرق الأوسط برمّته. وغدت تجارتها في هذه الحقبة من أوسع تجارات حوض البحر الأبيض المتوسّط. وقد بهرت محاسن بيروت العاهل الألمانيّ غليوم عند مروره فيها ، فلقّبها بالدرّة اللّامعة في تاج عثمان ، وقال فيها بعض الرحّالة الأجانب : " إنّها من المدن الخالدة التي لا تموت". على أن بيروت قد عانت وتألّمت كثيرا بما أصابها من سهام الحرب الكونية الأولى بدءا من العام ١٩١٤ ، ومآسيها التي أذلّت أبناء الجبل كما أبناءها ، وأوصدت في وجوههم أبواب البرّ والبحر ، فكانت أسواقها معرضا لجثث ضحايا الجوع والوباء ، ونصبت فيها أعواد المشانق لشهداء الوطن ، وهدمت جملة من مبانيها وأسواقها ، وتوقفت حركة التجارة فيها. وزحف الجراد على مزروعات البلاد فاتلفها ، وارتفعت أثمان المأكولات وأخذ الجوع يفتك بالفقراء. وختمت ويلات تلك الحرب في أيلول سنة ١٩١٨ بزلزال خفيف هزّ المدينة والبلاد. ثم جاءها صنّين بحلّة من ثلجه الناصع ، فاكتسته المدينة ، إيذانا بحلول الفرج.
بيروت عاصمة لبنان
في أوّل أيلول سنة ١٩٢٠ أعلن الجنرال غورو المفوض السامي في لبنان وسوريا ، باسم دولته فرنسا والحلفاء ، إستقلال لبنان الكبير ، تحت الإنتداب الفرنسي ، وسمّيت بيروت عاصمة له ، فعادت إلى المرتبة التي كانت لها في عهد فخر الدين ، وأصبحت بدوائرها واشغالها محور الحركة اللبنانيّة. وبعد إنتهاء الإنتداب واستقلال لبنان ، ثبّتت بيروت عاصمة أبديّة للدولة اللبنانيّة. ومنذ ذلك التاريخ ، راحت بيروت تستقطب لبنان ، وقد غدا النزوح إليها طريقا لا بدّ لكلّ طالب علم وعمل وتحقيق طموح من أن يسلكه ، في ظلّ