ما وصلتها طرق العربات بالجبل اللبنانيّ في عهد المتصرفيّة ، ومدّ الخطّ الحديديّ سنة ١٨٩٥ فعزّز اتّصالها بالداخل اللبنانيّ. وفي هذه الحقبة وسّع مرفأ بيروت فامّته المراكب الكبرى. وأسّست في المدينة الشركات الأجنبية برؤوس أموالها. وفي سنة ١٨٧٥ جرّت إليها شركة خاصّة مياه الشفة من مغارة جعيتا ، وأنيرت بالكهرباء ، فاكتملت فيها أسباب النموّ كافّة خاصّة بعد أن طلع فيها عدد ملحوظ من الخانات والفنادق والأسواق ، فغدت مستودعا للتمدّن الشرقيّ والغربيّ في آن. وبدأ يتجدّد عهد" بيروت السعيدة" كما في العصر الرومانيّ. فانصرفت عن السيف إلى القلم. وكانت النهضة العلمية الأدبيّة ، إذ انتقلت إليها المطابع من البلدات الجبليّة والمدن الساحليّة الأخرى ، وانتشرت فيها الصحافة ، واشتهرت فيها المعاهد العلميّة الكبرى التي نبغ فيها العلماء والأعلام الذين نفحوا الشرق والغرب بمؤلّفاتهم فكانوا أهل النهضة العربيّة من دون منازع ، وجلّ هؤلاء الأعلام من أبناء الجبل الذين إحتضنتهم بيروت ، ومن أبرزهم : الشيخ ناصيف اليازجي وابنه إبراهيم ، والمعلّم بطرس البستاني وابنه سليم ، والفقيه العلامة الشيخ مصطفى محمّد الأسير ، وسواهم كثير. ولم تقتصر هذه النهضة على الفرد ، بل تجاوزته إلى المجموع ، حتى أصبحت بيروت في أواخر القرن التاسع عشر مدرسة جامعة لشتات العلوم والآداب ، وانتشرت شهرة معاهدها العلميّة في البلاد ، ونقلت الإرساليّات صروحها من القرى والبلدات الجبليّة إلى قلب بيروت ، واجتمع إليها الطلّاب من كل حدب وصوب. ومن المعاهد العالية التي إشتهرت فيها خلال تلك الحقبة : المدرسة الكبرى للمعلّم بطرس البستاني ، والمدرسة البطريركيّة ، ومدرسة الحكمة ، والكليّة الأميركيّة ، وكليّة الآباء اليسوعيّين التي جدّد فرع الحقوق فيها عهد مدرسة الفقه الشهيرة في العهد الرومانيّ. وهكذا فقد ازدهرت بيروت بين نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين بشكل