فنفتح النون ، لالتقاء الساكنين ، ثم يقول : " إن الله أمكنني فعلت" فنكسر النون لالتقاء الساكنين ، وقبل كل واحدة منهما كسرة ، وذلك من قبل أنّ" من" كثرت في كلامهم ، وكثر دخولها على ما فيه الألف واللام ، فطلبوا خفّة اللفظ بها ، فلم يكسروا النون فتجتمع كسرتان مع كثرة اللفظ بها ، ففرّوا إلى الفتح ، وقلّت" إن" مع الألف واللام ، فكسروها على ما ينبغي من الكسر لالتقاء الساكنين.
وقوله : " ولا أدر" كان ينبغي أن يقال : " لا أدري" ؛ لأنه في موضع رفع ، والأصل" لا أدري" فاستثقلت الضمة على الياء ؛ لانكسار ما قبلها ، فسكنت ، فأشبهت بسكونها المجزوم ؛ لأن المجزوم ساكن. فحذفوا الياء منها كما تحذف من المجزوم مع كثرة الكلام بها ، ودلالة الكسر عليها.
فإن قال قائل : لم خص سيبويه هذا الحرف بالشّذوذ ، ونحن نرى الياء قد تحذف من أواخر الأسماء والأفعال ، إذا كان ما قبلها مكسورا في غير هذا الحرف ، كما قرأ بعضهم : (ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ) (١) (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) (٢) و (الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ)(٣)؟
قيل له : إنما أراد سيبويه في هذا الموضع ـ والله أعلم وأحكم ـ أن يبيّن أن كثيرا من العرب ، الذين لغتهم إثبات الياء في مثل هذا ، يحذفونها من" لا أدر" ولغتهم : " لا أرمي" و" لا أبري" و" لا نشتري" ، فخصوا هذا الحرف بالحذف لكثرته في كلامهم ، وإن كان من لغتهم الإثبات.
ولقول سيبويه وجه آخر ، وهو أنه أكثر من غيره في الحذف ، فإن جاز في كل ما كان نظيرا لهذا الحرف حذف الياء منه ، فليس يخرجه ذلك من أن يكون على غير القياس ، الذي ينبغي أن يكون الكلام عليه.
قال سيبويه : " وأما استغناؤهم بالشيء عن الشيء ، فإنهم يقولون : يدع ، ولا يقولون : ودع ، استغنوا عنه بترك. وأشباه ذلك كثيرة".
قال أبو سعيد : اعلم أن" يدع" في معنى" يترك" و" يذر" مثلها. غير أنهم يقولون :
__________________
(١) سورة الكهف ، آية : ٦٤.
(٢) سورة الفجر ، آية : ٤.
(٣) سورة الرعد ، آية : ٩.