والوجه الآخر : أن يكون من قولك : " ذهبت به" في معنى : " أذهبته" فيكون" زلّت به" في معنى : " أزلّته".
وقد كان بعض أصحابنا يذهب إلى أن قولك : " ذهبت بزيد" معناه على غير معنى" أذهبت زيدا" ؛ وذلك أن قولك : " أذهبت زيدا" معناه : أزلته ، ويجوز أن تكون أنت باقيا في مكانك لم تبرح. وإذا قلت : ذهبت بزيد ، فمعناه ذهبت معه ، وهذا يحكي عن أبي العباس المبرد.
وبعض الناس ينكر هذا ، ويقول : معناهما سواء ؛ لأن الله تعالى قد قال : (لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ)(١) في معنى أذهب الله سمعهم وأبصارهم ، وهو تعالى غير ذاهب ، ويحتج بالبيت الذي أنشدناه أنّ الصّفواء غير زالّة.
وللمحتج عن أبي العباس أن يقول في الآية : إن الله تعالى وإن لم يكن ذاهبا ، فقد وصف نفسه في مواضع من القرآن بالمجيء والإتيان ، فهو أعلم بحقيقة ذلك ، فقال : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا)(٢) وقال : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ)(٣).
وأما قول النابغة :
كأنّ رحلي وقد زال النّهار بنا |
|
بذي الجليل على مستأنس وحد |
فإنما يريد غابت الشّمس ، وذهب النهار ، وهم ما زالوا. والمعنى عندي أن النهار أزالهم من مكان كانوا فيه إلى مكان صاروا إليه ، وزال أيضا معهم بأن غابت شمسه وذهب وقته ، فصار بمعنى قولك : " ذهبت بزيد" ، بمعنى" أذهبته" و" ذهبت معه". وقد كان قوم من أهل اللغة يجعلون" الباء" هاهنا في معنى" على" ، فيقولون : زال النهار بنا في معنى علينا ، وهذا غير متحصّل ، والقول فيه ما خبّرتك به.
وأما قول قيس بن الخطيم :
ديار التي كادت ونحن على منى |
|
تحلّ بنا لو لا نجاء الرّكائب (٤) |
__________________
(١) سورة البقرة ، آية : ٢٠.
(٢) سورة الفجر ، آية : ٢٢.
(٣) سورة البقرة ، آية : ٢١٠.
(٤) البيت في ديوانه ٢٤.