والوجه : الرفع. ومن ذلك قوله :
قد سالم الحّيات منه القدما |
|
الأفعوان والشّجاع الشّجعما (١) |
وكان الوجه أن يقول : الأفعوان الشجاع الشجعم ، غير أنّ قوله : " قد سالم الحيّات منه القدما" يوجب أن القدم أيضا قد سالمت الحيات ؛ لأن باب المفاعلة يكون من اثنين كل واحد منهما يفعل بصاحبه مثل ما يفعل به صاحبه. فلما ذكر مسالمة الحيات للقدم دلّ أن القدم أيضا قد سالمت فكأنه قال : وسالمت القدم الشّجاع الشجعما ، فحذف لما ذكرنا.
وكان بعض النحويين يروي هذا البيت بنصب" الحيات" منه ويجعل" القدما" في معنى القدمان ، ويحذف النون ، كما قال تأبط شرّا :
هما خطّتا إمّا إسار ومنّه |
|
وإما دم والقتل بالحرّ أجدر (٢) |
أراد : خطتان ، فحذف ، وحمل حذف النون على قوله :
... إنّ عمّيّ اللّذا |
|
قتلا الملوك وفكّكا الأغلال (٣) |
أراد : اللذان ؛ لأنّ اللّذان يحتاج إلى صلة ، وهي والصّلة كالشيء الواحد فاستطال فحذف.
ومن ذلك :
فكرّت تبتغيه فصادفته |
|
على دمه ومصرعه السّباعا (٤) |
على تقدير : صادفت السّباع على مصرعه ، وكان الوجه أن يقول : على دمه ومصرعه السّباع ؛ لأنه لم يعطف السباع على الهاء التي في" صادفته" ، ولو فعل هذا لكان النصب جيّدا ، وكان يقول : صادفته السباع على دمه ومصرعه ، ثم يؤخّر. فلما لم يعطف كان الوجه أن يجعل الجملة الثانية في موضع الحال ، فوجب أن يرفع السّباع لذلك ، فإذا نصبه فهو على مثل الأول الذي جرى ذكره ، وكان أبو العباس المبرد يروي هذا البيت :
فكرّت عند فيقتها فألفت |
|
على دمه ومصرعه السّباعا |
__________________
(١) البيت منسوب لعبد بني عبس في سيبويه ١ / ١٤٥ ، وبلا نسبة في اللسان (شجع).
(٢) البيت في الخزانة ٣ / ٣٥٦.
(٣) البيت للأخطل في ديوانه ٤٤ ، والخزانة ٣ / ٤٧٣.
(٤) البيت للقطامي في ديوانه ٤٥ برواية مختلفة ، وسيبويه ١ / ١٤٣.