ومن ذلك قوله :
ليبك يزيد ضارع لخصومة |
|
ومختبط مما تطيح الطوائح |
فبدأ بفعل لم يسمّ فاعله ، ثم أتى بالفعل أن بنى الفعل بناء ما لم يسمّ فاعله ، وكان الوجه أن يقول : ليبك يزيد ضارع لخصومة. وتقدير الرفع في الثاني وهو" ضارع" : ليبكه ضارع لخصومة ، وذلك أنه لما قال : ليبك يزيد دلّ هذا الفعل على أنه أمر قوما يبكونه ، فقال : ضارع لخصومة ، يعني من أمره بالبكاء ، فأضمر : " لبكه".
ومثل ذلك قراءة بعضهم : (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ)(١)
على تقدير : زيّنه شركاؤهم ؛ لأنه قد دلّ" زيّن" على قوم قد زيّنوا ، فرفعهم على ذلك الفعل ، وهم الشركاء ، وليس هذا بالمختار في كتاب الله تعالى ؛ لأنه لا يجري مجرى ضرورة الشاعر.
ومن ذلك قوله :
وجدنا الصّالحين لهم جزاء |
|
وجنّات وعينا سلسبيلا (٢) |
فنصب جنّات وما بعدها ، وكان الوجه الرفع عطفا على قوله : "جزاء" ، وإنما فعل هذا واستجازه ؛ لأنه حين قال "وجدنا الصّالحين لهم جزاء" ، دلت على أنه قد وجد الجزاء لهم ، فأضمر وجدنا ونصب "جنات" وما بعدها.
ومن ذلك بيت أنشده سيبويه على وجه الضرورة ويجعله غيره على غير ضرورة ، وهو قول الشماخ :
أمن دمنتين عرّج الرّكب فيهما |
|
بحقل الرّخامي قد عفا طللاهما |
أقامت على ربعيهما جارتا صفا |
|
كميتا الأعالي جونتا مصطلاهما (٣) |
قال سيبويه : هذا هو مثل "هند حسنة وجهها" وهذا قبيح ، ولا يجوز في الكلام ، وإنما الوجه أن تقول : "هند حسنة الوجه" أو "حسنة الوجه" وما أشبه ذلك ، إذا لم ترفع
__________________
(١) سورة الأنعام ، آية : ١٣٧.
(٢) البيت لعبد العزيز الكلابي في سيبويه ١ / ١٤٦.
(٣) البيتان في ديوانه ٣٠٧.