خارجي مفسد في الأرض ، ولا يبالون من قتله ، فإذا قتله زيد فأراد مخبر أن يخبر بذلك قدم الخارجي في اللفظ ؛ لأن القلوب متوقعة لما يقع به من أجله ، لا من أجل قتله ، فتقول : " قتل الخارجيّ زيد". وإن كان رجل ليس له بأس ، ولا يقدّر فيه أن يقتل أحدا ، فقتل رجلا ، فأراد الخبر أن يخبر بهذا المستبعد من هذا القاتل ، كان تقديم القاتل في اللفظ أهمّ ؛ لأن الغرض أن يعلم أنه قتل إنسانا ، فيقال : " قتل زيد رجلا". وهذا الكلام إنما هو على قدر عناية المتكلم ، وعلى ما يسنح له وقت كلامه وربما فعل هذا لطلب سجع أو قافية أو كلام مطابق ، ولأغراض شتي اكتفاء بدلالة اللفظ عليه.
ثم قال سيبويه : " واعلم أن الفعل الذي لا يتعدّى الفاعل ، يتعدّى إلى اسم الحدثان الذي أخذ منه ؛ لأنّه إنما يذكر ليدل على الحدث".
يعني أنّ الفعل يعمل في مصدره ، وإن كان لا يتعدّى الفاعل ، كقولنا : " قام زيد قياما". والمصدر أصحّ المفعولات ؛ لأن الفاعل يحدثه ويخرجه من العدم إلى الوجود ، وصيغة الفعل تدلّ عليه ، والأفعال كلها متعدّية إليه عاملة فيه ، كقولك : " ضرب زيد عمرا ضربا" و" قتل بكر خالدا قتلا". وأنا أذكر الأشياء التي تشترك الأفعال في تعدّيها إليها ، والأشياء التي تختلف فيها ، إن شاء الله :
فأما الأشياء التي تشترك في تعدّي الأفعال إليها ، وعملها فيها ، فهي المصادر وظروف الزمان والمكان والحال ، والمفعول معه ، والمفعول له. فأما المصدر فقد ذكرناه ، وظروف الزمان كقولك : " قام زيد يوم الجمعة" ، وظروف المكان : " قام زيد خلفك". والحال : " قام زيد ضاحكا" أي في حال ضحكه ، والمفعول معه قولك : " ما صنعت وأباك"؟ و" جاء الشّتاء والطّيالسة" ، تريد : ما صنعت مع أبيك؟ ، وجاء الشتاء مع الطيالسة ، والمفعول له : " قام زيد حذر الشّرّ" ، يريد لحذر الشّر ومن أجله. وأما اختلاف الأفعال في غير هذه الستة ، فمن الأفعال ما لا يتعدّى إلى شيء سوى هذه الستة ، كقولك : " قام زيد" و" ذهب عمرو". ومنها ما يتعدى إلى مفعول سواها ، كقولك : " ضرب زيد عمرا".
ومنها ما يتعدّى إلى مفعولين وهو على ضربين : أحدهما يجوز الاقتصار على أحد المفعولين فيه ، كقولك : " أعطى زيد عمرا درهما" ، ويجوز أن تقول : " أعطى زيد عمرا" و" أعطى زيد درهما" وتسكت والضرب الآخر : لا يجوز فيه الاقتصار على أحدهما ، وهو