قال أبو سعيد : اعلم أنّ الأفعال التي يشتمل عليها هذا الباب ، إنما هي أفعال من أفعال تدخل على مبتدأ وخبر ، لتبيّن اليقين أو الشّكّ ، وهي سبعة أفعال : ظننت ، وحسبت ، وخلت ، ورأيت ، إذا أردت بها رؤية القلب ، ووجدت ، إذا أردت به وجود القلب ، وزعمت ، وعلمت.
والاعتماد بهذه الأفعال على المفعول الثاني الذي كان خبرا للمفعول الأول ، وذلك أنك إذا قلت : " حسبت زيدا منطلقا" فأنت لم تشكّ في زيد ، وإنما شككت في انطلاقه ، هل وقع أو لا ، وكذلك إذا قلت : " علمت زيدا منطلقا اليوم" فإنما وقع علمك بانطلاقه إذا كنت عالما به من قبل ؛ وإنما كان كذلك ، لأنك إذا قلت" زيد منطلق" قبل دخول هذه الأفعال ، فإنما تفيد المخاطب انطلاقه الذي لم يكن يعرفه ، لا ذاته التي قد عرفها ، فكذلك إذا قلت : " حسبت زيدا منطلقا" فالشكّ في انطلاقه ، لا في ذاته.
وهذا الاسمان ، وإن كان الاعتماد على الثاني منهما ، فلا بد من ذكر الأول ، ليعلم صاحب القصة المشكوك فيها أو المتيقّنة ، ولا بد من ذكر الثاني ؛ لأنه المعتمد عليه في اليقين أو الشكّ ، كما كان هو المستفاد قبل دخول هذه الأفعال ، فقد صحّ أنه لا يجوز الاقتصار على أحدهما دون الآخر. ولو لم تذكر واحدا منهما وجئت بالفعل والفاعل فقط ، جاز في كل هذه الأفعال ، كقولك : ظننت. ومن أمثال العرب : " من يسمع يخل" ، ففي" يخل" ضمير فاعل ، ولم يأت بمفعولين.
ولو جئت بظرف أو مصدر ، ولم تأت بواحد من المفعولين ، جاز كقولك : " ظننت ظنّا" و" ظننت يوم الجمعة" و" ظننت خلفك". وقال الله تعالى : (وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ)(١) ، فأتى بالمصدر فقط.
وحروف الجرّ إذا اتّصلت بها هذه الأفعال فهي بمنزلة الظروف ، كقولك : " ظننت بزيد" و" ظننت في الدّار" ، أي وقع ظنّي في هذا المكان ، كما تقول : " ظننت يوم الجمعة" و" ظننت خلفك".
وقد يتوجه بعض هذه الأفعال على معنى لا يحتاج فيه إلى مفعولين ؛ فمن ذلك : " ظننت" قد تكون بمعنى اتّهمت ، ومنه يقال : " رجل ظنين" أي متّهم ، فإذا كان كذلك
__________________
(١) سورة الفتح ، آية : ١٢.