ولا تجعله نعتا لزيد ، كذا" ضربت زيدا القائم" ، كما قلت : " ضربت زيدا قائما" ونصبته على أنّه حال ، فلما جاز في" ضربت زيدا" أن تأتي بمنصوب آخر حال ، ولا تأتي بمنصوب آخر مفعول ، كزيد وعمرو ، علمنا أن الحال لا تشبه المفعول.
قال سيبويه : " فالاسم الأوّل المفعول به في ضربت ، قد حال بينه وبين الفعل أن يكون فيه بمنزلته ؛ لأن ضربت إنما يتعدّى إلى مفعول واحد ، كما حال الفاعل بينه وبين الفعل في ذهب ، أن يكون المفعول به فاعلا ، وكما حالت الأسماء المجرورة بين ما بعدها وبين الجار ، في قولك : لي مثله رجلا ، ولي ملؤه عسلا ، وما في السّماء موضع راحة سحابا ، وكذلك : ويحه فارسا".
قال أبو سعيد : أما قوله : " فالاسم الأوّل المفعول في ضربت ، قد حال بينه وبين الفعل" ، يعني : أنّك إذا قلت : " ضربت زيدا قائما" فزيد الذي هو المفعول الأوّل قد اكتفى به" ضربت" في التعدّي إليه ، فامتنع" قائم" من وصول الضرب إليه ، كما يصل إلى المفعولات ، فانتصب ، لأنّه حال ، كما أنك إذا قلت : " ذهب زيد راكبا" فقد اكتفى" ذهب" بزيد ، لأنه فاعل له ، فلم تصر الحال فاعلا ، فقد صار الفاعل حائلا بين الفعل وبين الحال أن يكون فاعلا. ومثل ذلك أنّك إذا قلت : " لي مثل هذا الجيش رجلا" و" ملء هذا القدح عسلا" فقد أضفت" مثل" إلى الجيش. ونصبت" رجلا" على التمييز ، وكذلك" عسلا" ؛ لأنّ المضاف إليه وهو المجرور قد حال بين الاسم المضاف وهو" مثل" و" ملء" وما أشبه ذلك ، وبين" رجلا" و" عسلا" وما أشبه ذلك ، أن يكون مجرورا ؛ لأنّه قد استوفى الجرّ ، وليس ينجرّ به اثنان ، فانتصب لأنه تمييز كما انتصب الحال ، بعد استيفاء الفعل لفاعله ومفعوله ؛ لأنه حال ، ولم يصر فاعلا ولا مفعولا ، وكذلك : " ويح زيد فارسا" بمنزلة : " لي مثل الجيش رجلا" والهاء في" مثله" و" ملؤه" و" ويحه" أسماء مجرورة.
ثم قال : " وكما منعت النون من عشرين أن يكون ما بعدها جرّا".
يعني أنك تقول : " عشرون درهما" فتنصب" درهما" على التمييز ، وقد حالت النون بين" عشرون" وبين" درهم" أن ينجرّ الدّرهم ، بإضافة العشرين إليه ، ألا ترى أنك تقول : " عشرو زيد" إذا أردت إضافتها إلى مالكها ، وتحذف النون ، فقد علمت أن النون حائلة بين" عشرو" وبين" الدرهم" أن يكون منجرّا.
ثم قال : " فعمل الفعل هاهنا فيما يكون حالا ، كعمل : لي مثله رجلا ، فيما بعده".