ولكان أخوات وهي : صار ، وأصبح ، وأمسى ، وظلّ ، وأضحى ، وبات ، وليس وما زال ، وما دام ، وما تصرّف منهنّ ؛ فأما صار ففيها معنى الانتقال ، وهي تدخل على جملة لم يكن لها مثل تلك الحال من قبل ، كقولك : " صار زيد عالما" و" صار الطين خزفا" ، أي انتقل إلى هذه الحال. وقد تدخل على غير جملة لما فيها من معنى الانتقال كقولك : " صار زيد إلى عمرو". وأنت لا تقول : زيد إلى عمرو ، ولكنه بمعنى انتقل إلى عمرو.
وأما أصبح وأمسى وأضحى وبات وظلّ فهي أوقات مخصوصة دخلن على جمل ، فإذا قلت : " أصبح عالما" فكأنك قلت : دخل في وقت الصباح وهو عالم ، وإذا قلت : " أمسى" فقد قلت : دخل وقت المساء وهو كذلك : " أضحى" : دخل وقت الضّحى. و" ظلّ زيد منطلقا" : أتى عليه النهار وهو منطلق. و" بات زيد قائما" : أي أتى عليه الليل وهو قائم ، فهذه أوقات مخصوصة. والذي يعمّها ويكون مبهما واقعا لكل وقت : " كان".
وبينهنّ وبين" كان" فرق ، وذلك أنّ" كان" لما انقطع ، و" أضحى" و" أمسى" و" بات" غير منقطع ، ألا ترى أنّك تقول : " أصبح زيد غنيا" فهو غنيّ في وقت إخبارك ، غير منقطع غناه ، وربما توسّعت العرب في بعض هذه الأفعال ، فاستعملوه في معنى : " كان" و" صار" فيقولون : " أصبح زيد غنيّا" ولا يقصد إلى وقت الصباح دون غير هذا. قال الشاعر :
ثمّ أضحوا كأنّهم ورق جفّ |
|
فألوت به الصّبا والدّبور (١) |
ولم يقصد إلى وقت دون وقت.
وأما" ليس" فإنها تدخل على جملة فتنفيها في الحال ، كقولك" ليس زيد قائما" والأصل : " زيد قائم" قبل دخول" ليس" وفيه إيجاب قيامه في الحال ، فإذا قلت : " ليس زيد قائما" فقد نفيت هذا المعنى ، وكان الأصل في" ليس" : " ليس" مثل : " صيد البعير" فخفّفوه ، وألزموه التخفيف ؛ لأنه لا يتصرّف للزومه حالة واحدة ، وإنما تختلف أبنية الأفعال لاختلاف الأوقات التي تدلّ عليها ، وجعلوا البناء الذي خصّوه به ماضيا لأنّه أخفّ الأبنية.
فإن قال قائل : وما الدّليل على أن ليس فعل؟ قيل له : الدليل على ذلك اتصال
__________________
(١) البيت لعدي بن زيد العبادي في ديوانه ص ٩٠.