يعني : أن قولنا : " زيد أظن منطلق" أقوى من قولنا : " زيد أظن ذاك منطلق" ، لأن" ذاك" إشارة إلى المصدر الذي هو تأكيد.
قال : (وأما" ظننت أنه منطلق" فاستغنى بخبر" أنّ" ، تقول : " أظن أنه فاعل كذا وكذا ، فتستغنى. فإنما يقتصر على هذا إذا علم أنه مستغن بخبر" أن").
قال أبو سعيد : اعلم أن" أنّ" المشددة وما بعدها من الاسم والخبر يكون بمعنى المصدر ويقع في موضع الفاعل ، والمفعول ، والمجرور :
فوقوعها في موضع الفاعل قولك : " بلغني أنك منطلق" أي : " بلغني انطلاقك".
ووقوعها في موضع المفعول قولك : " عرفت أنك منطلق" أي : عرفت انطلاقك.
ووقوعها مجرورة قولك : " أخبرت بأنك منطلق" أي : بانطلاقك.
وإذا وقعت في موضع مفعول فهي تقع موقع المفعول الواحد ، وتنوب عنه في الفعل الذي يتعدى إلى مفعول واحد كما ذكرنا في : " عرفت أنك منطلق". وموقع المفعولين في الفعل الذي يتعدى إلى مفعولين وتنوب عنهما وهو قولك : " ظننت أنك منطلق" ، و" حسبت أن بكرا خارج" ، فنابت" أن" وما بعدها عن مفعولي المحسبة ، كما أنك إذا قلت : " علمت لزيد منطلق" نابت الجملة ، وإن كانت هي غير عاملة فيها عن المفعولين.
ولو أظهرت المصدر الذي في معناه" أن" ، فقلت : " حسبت انطلاقك" لاحتجت إلى مفعول ثان ؛ لأن" أن" قد وجد بعدها اسم وخبر لو حذفتهما واقتصرت عليهما ، كانا مفعولي الظن ، والمصدر ليس فيه شيء من ذلك.
وكان بعض البصريين يقول : إن المفعول الثاني مضمر فإذا قلنا : " حسبت أن زيدا منطلق" فتقديره : " حسبت أن زيدا منطلق واقعا" ، كأنا قلنا : " حسبت انطلاق زيد واقعا". والقول ما قاله سيبويه ؛ لأن هذا المضمر لا يجوز إظهاره ولا مانع له من الإظهار لو كان مضمرا ، ولأنا إذا قلنا : " حسبت زيدا منطلقا" ، أو" حسبت أن زيدا منطلقا" كان الأمر فيهما واحد من جهة المعنى.
قال : (ويجوز أن تقول : " ظننت (زيدا) " إذا قال : " من تظن؟ " أي من تتهم؟ فتقول : " ظننت زيدا" كأنه قال : " اتهمت زيدا" وعلى هذا قيل : " ظنين" أي متهم).
يعني : أن" ظننت" ، يتعدى إلى مفعول واحد إذا كان بمعنى" اتهمت" وقد ذكرنا هذا.