وفي مقام آخر يقول :
« إني لأبغض الرجل فاغراً فاه الى ربه فيقول ارزقني ويترك الطلب » (١) .
إن هذه الأحاديث ، وغيرها مما كان على هذا النحو قد تصدت لتنبه اولئك الذين تركوا العمل والتجارة واقبلوا على العبادة ولو كان ذلك لأجل العبادة والتلذذ بها فان السير على هذا النوع من الانهماك حتماً يؤدي الى شل الحياة الاجتماعية ، والوقوف في وجه نموها وازدهارها ، وهذا ما لا يريده الشارع المقدس بل على العكس فإن الشارع جعل العمل ، والكسب ، وبذل الجهد في سبيل العيش للعامل وعياله من العبادة بل وعبر عنه بالجهاد الأكبر . ولذلك نرى المصادر التأريخية تحدثنا بأن النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) كان يكره ان يرى سائلاً يستجدي الآخرين ، وفي بدنه طاقة على العمل بل كان يدفعه للنزول الى معترك الحياة العملية تاركاً وراءه الحياة الخاملة الذليلة ، والتي ترتسم في التطلع الى ما في أيدي الآخرين .
وكان أهل البيت ( عليهم السلام ) وكثير من الصحابة يباشرون أعمال الفلاحة ، والزراعة بأنفسهم ، ويأكلون ما تدره عليهم تلك الأعمال من مال كل ذلك لئلا يكونوا كَلّاً على بيت مال المسلمين أو يتكففوا أيدي الناس في الطلب .
ويضرب الإِمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) المثل الأعلى في الاعتماد على النفس في سبيل تحصيل ما يؤمن القوت
__________________
(١) وسائل الشيعة : ١٢ / ١٥ / حديث (٨) الباب (٥) من ابواب مقدمات التجارة .