وفي مقام الإِجابة نقول :
لا معارضة بين هاتين الطائفتين ، وان بدا ذلك ظاهراً منها ببيان : أن الطائفة الأولى : وردت في مقام بيان ما يستحقه المكلف من الأجر ، والاستحقاق إزاء عمله ، فبيّن الله بصريح الآيات بانه لا يضيع عمل كل عامل ، وسعي كل ساعي ، وانه يوفي العباد أجورهم . أما الطائفة الثانية : فلسانها لسان التفضل ، والعطف ، ولا علاقة لذلك بالأجر والاستحقاق ، فهي من قبيل قوله تعالى في آية آخرى : ( وَاسْأَلُوا اللَّـهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ) (١) .
والداعي عندما يهرع الى ربه داعياً يسأله من فضله ، ولا يطالبه بأجره ، بل ربما لا يرى لعمله شيئاً يستحق أن يطالب به لذلك لا نرى تنافياً بين الطائفتين من الأخبار لأن كل طائفة تنظر الى جهة تختلف عن الجهة التي تنظر اليها الطائفة الثانية .
الطائفة الثالثة ممن يقولون برفض الدعاء :
ويذهب هؤلاء الى القول بلغوية الدعاء ، وعبثيته ، وأنه من الأمور التي يشغل الإِنسان بها نفسه ، وهو في غنىً عن ذلك . ويستدل على ذلك بان الواقع الخارجي يكذب قضية الدعاء وذلك ، لأن الداعي لا يدري ما سيتخذ الله بالنسبة الى ذنوبه من قرار فهل سيغفرها أم لا ؟
هذا بالنسبة الى الذنوب وعالم الآخرة . وأما ما يعود الى الأمور الدنيوية فإن نسبة الإِجابة ضئيلة جداً إذا قيست لما يبذله الداعي من
__________________
(١) سورة النساء : آية (٣٢) .