وتسلسل الدعاء في فقراته ، وبدء نغم المناجاة يبين الأسباب التي دعت الداعي وهو المذنب المتجاوز أن يستزيد من الطلب ويريد من ربه مع عدم استحقاقه لذلك ـ أن الأسباب تكمن في عفوه سبحانه ، وتجاوزه ، وصفحه ، وستره على المذنبين . وهذا هو الذي دفع بالعبد أن يطمع في السؤال ، والطلب كأن له التطول على ربه .
ولكنه يعود أخيراً ليسلم الأمر الى الله ، ويطلب العذر في كل ذلك منه لأنه بشر ، والبشر بطبيعته جاهل بعواقب الأمور ولا يدري ما وراء الغيب ، ولعل الذي أبطأ هو الأصلح بحاله لأن العالم بعواقب الأمور هو الله وحده .
إن هذه السلوكية في الركون الى الله ، والتحدث اليه تمتد في جذورها لتستقي رواءها العذب من الخطوط العريضة التي يشرح أبعادها أمير المؤمنين الإِمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) لولده الإِمام الحسن ( عليه السلام ) نستعرضها لتكون درساً لمن يرون التباطؤ في الإِجابة وسيلة لرفض الدعاء . يقول « صلوات الله عليه » :
« واعلم أن الذي بيده
خزائن السماوات والأرض ، قد اذن لك في الدعاء ، وتكفل كل بالإِجابة ، وأمرك أن تسأله ليعطيك ، وتسترحمه ليرحمك ، ولم يجعل بينك وبينه ، من يحجبك عنه ، ولم يلجئك الى من يشفع لك اليه ، ولم يمنعك إن أسأت من التوبة ولم يعالجك بالنقمة ، ولم يعيرك بالإِنابة ، ولم يفضحك حيث الفضيحة بك أولى ، ولم يشدد عليك في قبول الإنابة ، ولم يناقشك بالجريمة ، ولم يؤيسك من الرحمة ، بل جعل نزوعك عن الذنب حسنة وحسب سيئتك واحدة ، وحسب حسنتك عشراً ، وفتح لك باب المتاب ،