فإذا ناديته سمع نداءك ، وإذا ناجيته علم نجواك ، فأفضيت اليه بحاجتك ، وبثثته ذات نفسك وشكوت اليه همومك ، واستكشفته كروبك ، واستعنته على أمورك ، وسألته من خزائن رحمته ما لا يقدر على إعطائه غيره من زيادة الاعمار ، وصحة الأبدان ، وسعة الأرزاق ، ثم جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك من مسألته فمتى شئت إستفتحت بالدعاء أبواب نعمته ، وإستمطرت شأۤبيب رحمته فلا يقنطك ابطاء إجابته ، فإن العطية على قدر النية ، وربما أخرت عنك الاجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السائل ، وأجزل لعطاء الآمل ، وربما سألت الشيء ، فلا تؤتاه ، وأوتيت خيراً منه عاجلاً ، أو آجلاً ، أو صرف عنك لما هو خير لك ، فلرب أمرٍ قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته ، فلتكن مسالتك فيما يبقى لك جماله ، وينفى عنك وباله ، فالمال لا يبقى لك ، ولا تبقى له » (١) .
إن هذا المقطع من وصية أمير المؤمنين يبدأ فيه بتناول المشكلة من مراحلها الأولية ، فالله هو الذي أمر بالدعاء ، وهو الذي تضمن بالإِجابة ، وحبب اللجوء اليه ، ولم يلجئك الى شفيع ووعدك بالخير وصور الخير أنه : حسب السيئة واحدة ، وتفضل فاعتبر حسنتك مضاعفة الى عشرة . كل ذلك ليقربك اليه وليرفع الكلفة في الطلب والهيبة في الإِقدام .
ومع كل هذا اللطف ، والتفضل ، فهل يحسن بالإِنسان أن يسيء الظن بمثل هذا الرب العطوف ، ولذلك نرى الإِمام « عليه
__________________
(١) مقطع من وصية الامام علي بن أبي طالب « عليه السلام » كتبها لولده الحسن « عليه السلام » عند رجوعه من صفين ببلدة من نواحيها يقال لها : ( حاضرين ) .