بالأوقات والكلام ، وغير ذلك ليس معناه أن غير ذلك لا يقبل ، ولا يعتبر عند الله ، بل ان هذا كما قلنا ، من أداب لقاء العظماء ، والتحدث اليهم ، ومن أعظم من الله ، واعلى مقاماً منه يستعد العبد للمثول بين يديه ، وهو رب الخلائق ، وفوق كل شيء ؟
ولنستعرض بعض هذه الآداب المذكورة .
فمثلاً تكلف السجع إنما حرص أهل الذكر على تجنبه لأنه يشغل الإِنسان عن التوجه الى الله ، والتحدث معه بلغة التضرع ، والخضوع ، بل يجعل الإِنسان منشداً الى انتقاء الالفاظ المنمقة ، وتنسيق العبارة واخراجها على روية واحدة ، وعلى المحافظة على القافية فيما يسبق من الجمل ، وحينئذٍ يخرج الداعي من جو الدعاء الخاشع الى مقام عرض الديباجة ، والكتابة للمقالات ، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله : « إياكم والسجع في الدعاء » (١) .
وهكذا الحال اذا لاحظنا خفض الصوت ، فإن أصول اللياقة ، والأدب تقضي ان يكون المتكلم مع من هو أعلى منه هادئاً متزناً في حديثه ، فرفع الصوت لا يناسب مثل هذه المقامات .
وليطمئن الداعي بعد كل هذا الى أن الله ليس بأصم ليرفع صوته ليسمعه ولا غائب عنه ليعلمه بوجوده ، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
انه لما دنا من المدينة كبر ، وكبر الناس ، ورفعوا أصواتهم فقال
__________________
(١) احياء العلوم للغزالي : ١ / ٣٩٨ .